فَجُعِلَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ شَرَائِطِ الِانْعِقَادِ دُونَ الْبَقَاءِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْجَمَاعَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنَّهَا شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ حَتَّى إنَّهُمْ لَوْ نَفَرُوا بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ قَبْلَ تَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِسَجْدَةٍ فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ عِنْدَهُ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَعِنْدَهُمَا يُتِمُّ الْجُمُعَةَ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَكَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْجَامِعِ أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْجُمُعَةِ إذَا صَحَّتْ صَحَّ بِنَاءُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ إنْسَانٌ فِي التَّشَهُّدِ صَلَّى الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا تَرَكَ الْقِيَاسَ هُنَاكَ بِالنَّصِّ لِمَا يُذْكَرُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَوْ جُعِلَتْ شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ حِينَئِذٍ لَا تَنْعَقِدُ بِدُونِ مُشَارَكَةِ الْجَمَاعَةِ إيَّاهُ فِيهَا، وَذَا لَا يَحْصُل إلَّا وَأَنْ تَقَعَ تَكْبِيرَاتُهُمْ مُقَارِنَةً لِتَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ مُرَاعَاتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا حُضُورًا وَكَبَّرَ الْإِمَام ثُمَّ كَبَّرُوا صَحَّ تَكْبِيرُهُ وَصَارَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّتْ مُشَارَكَتُهُمْ إيَّاهُ فَلَمْ تُجْعَلْ شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَجُعِلَتْ شَرْطَ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ تُجْعَلَ فِي حَقِّهِمْ شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَحْصُلُ مُشَارَكَتُهُمْ إيَّاهُ فِي التَّحْرِيمَةِ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ سَبَقَهُمْ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ، فَانْعِقَادُ الْأَدَاءِ بِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِسَجْدَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِعْلٌ وَالْحَاجَةُ إلَى كَوْنِ الْفِعْلِ أَدَاءً لِلصَّلَاةِ، وَفِعْلُ الصَّلَاةِ هُوَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَمَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ لَا يَحْنَثْ، فَإِذَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ فَلَمْ تَنْعَقِدْ فَشَرَطَ دَوَامَ مُشَارَكَةِ الْجَمَاعَةِ الْإِمَامَ إلَى الْفَرَاغِ عَنْ الْأَدَاءِ.
وَلَوْ افْتَتَحَ الْجُمُعَةَ وَخَلْفَهُ قَوْمٌ وَنَفَرُوا مِنْهُ وَبَقِيَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَلَوْ جَاءَ قَوْمُ آخَرُونَ فَوَقَفُوا خَلْفَهُ ثُمَّ نَفَرَ الْأَوَّلُونَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا اشْتِرَاطُ الْمُشَارَكَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ.
وَأَمَّا الْمُشَارَكَةُ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَنَقُولُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُشَارَكَةُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: الْمُشَارَكَةُ فِي التَّحْرِيمَةِ كَافِيَةٌ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ الْمُشَارَكَةُ فِي رُكْنٍ مِنْهَا كَافِيَةٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ حَتَّى أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْجُمُعَةِ إنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ كَانَ فِي رُكُوعِهَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ.
وَأَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ فِي سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا فِي رِوَايَةٍ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي رَكْعَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَأَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ وَعَادَ إلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِوُقُوعِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا وَلَا تَكُونُ الْأَرْبَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ظُهْرًا مَحْضًا، حَتَّى قَالَ: يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ كُلِّهَا، وَعَنْهُ فِي افْتِرَاضِ الْقَعْدَةِ الْأَوْلَى رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْهُ فَرْضٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْهُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَكَأَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ سَلَكَ طَرِيقَةَ الِاحْتِيَاطِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ، جُمُعَةً كَانَ الْفَرْضُ أَوْ ظُهْرًا، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْأَرْبَعُ ظُهْرٌ مَحْضٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَاحْتَجُّوا فِي الْمَسْأَلَةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَلِيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ؛ وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ مَقَامَ الظُّهْرِ عُرِفَ بِنَصِّ الشَّرْعِ بِشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ، مِنْهَا الْجُمُعَةُ وَالسُّلْطَانُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ كُلُّ مَسْبُوقٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَّا أَنَّ مُدْرِكَ الرَّكْعَةِ يَقْضِي رَكْعَةً بِالنَّصِّ وَلَا نَصَّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، ثُمَّ مَعَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ يَسْلُكُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَسْلَكَ الِاحْتِيَاطِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» أَمَرَ الْمَسْبُوقَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ وَإِنَّمَا فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ وَالْحَدِيثُ فِي حَدِّ الشُّهْرَةِ وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute