للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَى الْقَوْمِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَثْقُلُ عَلَى الْقَوْمِ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَيَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ.

وَمِنْهَا أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِيهَا كَمَا يَقْرَأُ فِي أَخَفِّ الْمَكْتُوبَاتِ وَهِيَ الْمَغْرِبُ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ كَمَا يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ دَعَا بِثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَاسْتَقْرَأَهُمْ وَأَمَرَ أَوَّلَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِينَ آيَةً، وَأَمَرَ الثَّانِيَ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ آيَةً، وَأَمَرَ الثَّالِثَ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرِينَ آيَةً، وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ سُنَّةٌ إذْ السُّنَّةُ أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ مَرَّةً فِي التَّرَاوِيحِ وَذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَهَذَا فِي زَمَانِهِمْ.

وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ مِنْ الرَّغْبَةِ وَالْكَسَلِ فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لَا يُوجِبُ تَنْفِيرَ الْقَوْمِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ، وَالْأَفْضَلُ تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي التَّرْوِيحَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَدِّلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا الْأَفْضَلُ تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُطَوِّلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ.

وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ عَلَى حِدَةٍ.

وَلَوْ صَلَّى تَرْوِيحَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَةَ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ بِتَرْكِ التَّسْلِيمَةِ، وَالتَّحْرِيمَةِ، وَالثَّنَاءِ، وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: إنَّهُ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.

أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمَةِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا هَذَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إذَا لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيَاسًا، ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَهُمَا فَهَلْ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ كَامِلًا، وَكَمَالُهُ بِالْقَعْدَةِ وَلَمْ تُوجَدْ وَالْكَامِلُ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ.

وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُجْزِئُهُ أَصْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ تَنَفَّلَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَلَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا جَازَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا وَهُوَ الْمَغْرِبُ جَازَ، فَكَذَا النَّفَلُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ فِي النَّوَافِلِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بِخِلَافِ الْمَغْرِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ فِيهَا لَمْ تَجُزْ النَّافِلَةُ فَكَذَا فِي التَّرَاوِيحِ، ثُمَّ إنْ كَانَ سَاهِيًا فِي الثَّالِثَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَظْنُونَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قَدْ صَحَّتْ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهَا يَضُمُّ رَكْعَةً أُخْرَى إلَيْهَا فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ فَسَدَتْ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَشَرَعَ فِي الثَّالِثَةِ بِلَا تَحْرِيمَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ كُلُّ تَسْلِيمَةٍ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَلَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْزِئُهُ عَنْ التَّرَاوِيحِ كُلِّهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِكُلِّ شَفْعٍ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ.

وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ تَرْوِيحَةٍ إمَامٌ وَاحِدٌ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَعَمَلُ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ إمَامَانِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ السَّلَفِ، وَيَكُونُ تَبْدِيلُ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِظَارِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ.

وَلَا يُصَلِّي إمَامٌ وَاحِدٌ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَلَا لَهُ فِعْلٌ وَلَا يُحْتَسَبُ التَّالِي مِنْ التَّرَاوِيحِ، وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ إمَامِهِمْ نَافِلَةٌ، وَصَلَاتُهُمْ سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ أَقْوَى فَلَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَمَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ مَحْسُوبٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>