طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ مِلْكَ النِّكَاحِ.
وَأَمَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ لَا يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يُبَاحُ بِأَنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ الرِّدَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَرْفَعُ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ بِالْمَوْتِ فَبَقِيَ حِلُّ الْغُسْلِ، كَمَا كَانَ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَلَنَا أَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ مَوْقُوفٌ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا فَيَرْتَفِعُ بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مُطْلَقًا فَقَدْ بَقِيَ فِي حَقِّ حِلِّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ، وَكَمَا تَرْفَعُ الرِّدَّةُ مُطْلَقَ الْحِلِّ تَرْفَعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا، أَوْ قَبَّلَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَكَذَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حِلُّ الْغُسْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ الْمَجُوسِيَّةُ لَمْ تُغَسِّلْهُ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاث، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ امْرَأَتُهُ وَلَكِنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ كَافِرٌ عَلَّمْنَهُ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَيُخَلِّينَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُغَسِّلَهُ وَيُكَفِّنَهُ، ثُمَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَيَدْفِنَّهُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فِي الدِّينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ صَغِيرَةٌ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَأَطَاقَتْ الْغُسْلَ عَلَّمْنَهَا الْغُسْلَ، وَيُخَلِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى تُغَسِّلَهُ وَتُكَفِّنَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ ذَلِكَ فَإِنَّهُنَّ لَا يُغَسِّلْنَهُ، سَوَاءٌ كُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ فِي حُكْمِ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةَ سَوَاءٌ، فَكَمَا لَا تُغَسِّلُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ فَكَذَا ذَوَاتُ مَحَارِمِهِ، وَلَكِنْ يُيَمِّمْنَهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُيَمِّمَةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهُ تُيَمِّمُهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهُ تُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ تَلُفُّهَا عَلَى كَفِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمَسَّهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ أُمُّ وَلَدِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فَأَشْبَهَتْ الْمَنْكُوحَةَ، وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَبْقَى فِيهَا بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا كَانَ مِلْكَ يَمِينٍ وَهُوَ يَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَالْحُرِّيَّةُ تُنَافِي مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَا يَبْقَى بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ، فَإِنَّ حُرِّيَّتَهَا لَا تُنَافِي مِلْكَ النِّكَاحِ، كَمَا فِي حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ أَمَتُهُ، أَوْ مُدَبَّرَتُهُ، أَمَّا الْأَمَةُ؛ فَلِأَنَّهَا زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَرَثَةِ، وَلَا يُبَاحُ لِأَمَةِ الْغَيْرِ عَوْرَتُهُ غَيْرَ أَنَّهَا لَوْ يَمَّمَتْهُ تُيَمِّمُهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلْجَارِيَةِ مَسُّ مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ وَتَلْتَحِقُ بِسَائِرِ الْحَرَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ.
وَأَمَّا الْمُدَبَّرَةُ؛ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، ثُمَّ أُمُّ الْوَلَدِ لَا تُغَسِّلُهُ فَلَأَنْ لَا تُغَسِّلَهُ هَذِهِ أَوْلَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَمَةُ تُغَسِّلُ مَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُغَسِّلُهُ فَبَقِيَ الْمِلْكُ لَهُ فِيهَا حُكْمًا، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ تَنْدَفِعُ بِالْجِنْسِ أَوْ بِالتَّيَمُّمِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَنَقُولُ: إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ فِي سَفَرٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ غَسَّلْنَهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُغَسِّلَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَقُولُ: وَارَأْسَاهْ فَقَالَ: وَأَنَا وَارَأْسَاهْ لَا عَلَيْكِ أَنَّكِ إذَا مِتِّ غَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ» وَمَا جَازَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَجُوزُ لِأُمَّتِهِ، هُوَ الْأَصْلُ إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ جُعِلَ قَائِمًا حُكْمًا لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى الْغُسْلِ، كَمَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ تَمُوتُ بَيْنَ رِجَالٍ فَقَالَ: تُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ زَوْجُهَا، أَوْ لَا يَكُونُ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِمَوْتِهَا فَلَا يَبْقَى حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْحُرْمَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَلِهَذَا جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا.
وَإِذَا زَالَ النِّكَاحُ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَبَطَلَ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ عَنْ الْمَحَلِّ بِمَوْتِ الْمَالِكِ، وَيَزُولُ بِمَوْتِ الْمَحَلِّ، كَمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَهُوَ الْفَرْقُ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغُسْلِ تَسَبُّبًا فَمَعْنَى قَوْلِهِ: «غَسَّلْتُكِ» قُمْتُ بِأَسْبَابِ غُسْلِك، كَمَا يُقَالُ بَنَى الْأَمِيرُ دَارًا حَمَلْنَاهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute