لِوُجُودِ شَرْطِ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ الْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُغَسَّلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَجَبَ بَعْدُ قَبْلَ الْمَوْتِ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَلَوْ، وَجَبَ وَجَبَ بِالْمَوْتِ، وَالِاغْتِسَالُ الَّذِي يَجِبُ بِالْمَوْتِ يَسْقُطُ بِالشَّهَادَةِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ مُخَاطَبَاتٌ يُخَاصِمْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَهُنَّ فَيَبْقَى عَلَيْهِنَّ أَثَرُ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ شَاهِدًا لَهُنَّ كَالرِّجَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا عُرِفَ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ فَنَقُولُ: إذَا قُتِلَ الرَّجُلُ فِي الْمَعْرَكَةِ، أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يُقَاتِلُ أَهْلَ الْحَرْبِ، أَوْ قُتِلَ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهُوَ شَهِيدٌ سَوَاءٌ قُتِلَ بِسِلَاحٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ فَالْتَحَقَ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مَقْتُولًا مِنْ جِهَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا لَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا هُوَ مَالٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﵊ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» ، وَهَذَا قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَيَكُونُ شَهِيدًا بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَكَذَا إذَا قُتِلَ فِي مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُغَسَّلُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْبَاغِي فَهَذَا قَتِيلٌ أَخْلَفَ بَدَلًا، وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَهَذَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ بِصِفِّينَ تَحْتَ رَايَةِ عَلِيٍّ ﵁ فَقَالَ: لَا تَغْسِلُوا عَنِّي دَمًا، وَلَا تَنْزِعُوا عَنِّي ثَوْبًا فَإِنِّي أَلْتَقِي وَمُعَاوِيَةُ بِالْجَادَّةِ، وَكَانَ قَتِيلَ أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى مَا قَالَ النَّبِيُّ: ﷺ «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» .
وَرُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْجَمَلِ فَقَالَ: لَا تَغْسِلُوا عَنِّي دَمًا، وَلَا تَنْزِعُوا عَنِّي ثَوْبًا فَإِنِّي رَجُلٌ مُحَاجٌّ أُحَاجُّ يَوْمَ الْقِيَامَةَ مَنْ قَتَلَنِي، وَعَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ كَانَ لَا يُغَسِّلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ قَتْلًا تَمَحَّضَ ظُلْمًا، وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا هُوَ مَالٌ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي قَتْلِ الْبَاغِي مَمْنُوعٌ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَنَّ كُلَّ دَمٍ أُرِيقَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَتِيلُ غَيْرِ الْبَاغِي وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَكِنَّ ذَلِكَ أَمَارَةٌ تُغَلِّظُ الْجِنَايَةَ عَلَى مَا مَرَّ فَلَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ وُجُوبِ الدِّيَةِ.
وَلَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ مِنْ جِرَاحَةٍ، أَوْ خَنْقٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ خُرُوجِ الدَّمِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ إنَّمَا يُفَارِقُ الْمَيِّتَ حَتْفَ أَنْفِهِ بِالْأَثَرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ، بَلْ لَمَّا الْتَقَى الصَّفَّانِ انْخَلَعَ قِنَاعُ قَلْبِهِ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ، وَقَدْ يُبْتَلَى الْجَبَانُ بِهَذَا فَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْعَدُوِّ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ مَتَى ظَهَرَ عَقِيبَ سَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ مَحَارِقِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَوْضِعًا يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ فِي الْبَاطِنِ كَالْأَنْفِ، وَالذَّكَرِ، وَالدُّبُرِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ، وَقَدْ يَبُولُ دَمًا لِشِدَّةِ الْفَزَعِ، وَقَدْ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْغُسْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ.
وَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ أُذُنِهِ، أَوْ عَيْنِهِ كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عَادَةً إلَّا لِآفَةٍ فِي الْبَاطِنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى خَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ، أَوْ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، فَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ مِنْ رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ مَا يَنْزِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَنُزُولُهُ مِنْ جَانِبِ الْفَمِ، أَوْ مِنْ جَانِبِ الْأَنْفِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ يَعْلُو مِنْ جَوْفِهِ كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَصْعَدُ مِنْ الْجَوْفِ إلَّا لِجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا نُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا بِلَوْنِ الدَّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ وُجِدَ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانُوا لَقَوْا الْعَدُوَّ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَلَا دِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَتِيلُ الْعَدُوِّ وَظَاهِرًا، كَمَا لَوْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَلْقَوْا الْعَدُوَّ، لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَتِيلَ الْعَدُوِّ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيهِ الْقَسَامَةَ، وَالدِّيَةَ.
وَلَوْ وَطِئَتْهُ دَابَّةُ الْعَدُوِّ، وَهُمْ رَاكِبُوهَا، أَوْ سَائِقُوهَا، أَوْ قَائِدُوهَا فَمَاتَ، أَوْ نَفَّرَ الْعَدُوُّ دَابَّتَهُ، أَوْ نَخَسَهَا فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ، أَوْ رَمَاهُ الْعَدُوُّ بِالنَّارِ فَاحْتَرَقَ، أَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي سَفِينَةٍ فَرَمَاهُمْ الْعَدُوُّ بِالنَّارِ فَاحْتَرَقُوا، أَوْ تَعَدَّى هَذَا الْحَرِيقُ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى فِيهَا مُسْلِمُونَ فَاحْتَرَقُوا، أَوْ سَيَّلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ حَتَّى غَرِقُوا، أَوْ أَلْقَوْهُمْ فِي الْخَنْدَقِ، أَوْ مِنْ السُّورِ بِالطَّعْنِ بِالرُّمْحِ، وَالدَّفْعِ حَتَّى مَاتُوا، أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِمْ الْجِدَارَ كَانُوا شُهَدَاءَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُمْ حَصَلَ بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ فَيَلْحَقُهُمْ حُكْمُ الشَّهَادَةِ.
وَلَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ دَابَّةِ الْعَدُوِّ، أَوْ مِنْ سَوَادِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيرٍ مِنْهُمْ فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ، أَوْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ، أَوْ مِنْ السُّورِ حَتَّى مَاتُوا لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُمْ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى فِعْلِ الْعَدُوِّ، وَكَذَلِكَ إذَا حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ فَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، أَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَنْقُبُونَ عَلَيْهِمْ الْحَائِطَ فَسَقَطَ عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَصَّلَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ فِي