للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّهَدَاءَ بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي كِتَابِهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا عَلَى الْحَيِّ، وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ» حَتَّى رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً» وَبَعْضُهُمْ أَوَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِوَاحِدٍ، وَاحِدٍ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَحَمْزَةُ ﵁ بَيْنَ يَدَيْهِ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى حَمْزَةَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَرَوَى أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الرِّوَايَةِ، وَكَانَ مَخْصُوصًا بِتِلْكَ الْكَرَامَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ ﵁ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَشْغُولًا فَإِنَّهُ قُتِلَ أَبُوهُ، وَأَخُوهُ، وَخَالُهُ فَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيُدَبِّرَ كَيْفَ يَحْمِلُهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِمْ فَلِهَذَا رَوَى مَا رَوَى، وَمَنْ شَاهَدَ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ ثُمَّ سَمِعَ جَابِرٌ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُدْفَنَ الْقَتْلَى فِي مَصَارِعِهِمْ فَرَجَعَ فَدَفَنَهُمْ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ، وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ دُونَ الْكَفَرَةِ، وَالشَّهِيدُ، أَوْلَى بِالْكَرَامَةِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ حُصُولِ الطَّهَارَةِ بِالشَّهَادَةِ، فَالْعَبْدُ وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الدُّعَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَرَجَتَهُ كَانَتْ فَوْقَ دَرَجَةِ الشُّهَدَاءِ وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِالْحَيَاةِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] ، فَأَمَّا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَالشَّهِيدُ مَيِّتٌ يُقْسَمُ مَالُهُ، وَتُنْكَحُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَكَانَ مَيِّتًا فِيهِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>