وَلَا حَاصِلًا بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ لَا يُضَمُّ.
احْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَالْمُسْتَفَادُ مَالٌ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَظِيفَةُ الْمِلْكِ وَالْمُسْتَفَادُ أَصْلٌ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ فَيَكُونُ أَصْلًا فِي شَرْطِ الْحَوْلِ كَالْمُسْتَفَادِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالرِّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فِي الْمِلْكِ؛ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ تَبَعًا فِي الْحَوْلِ.
وَلَنَا أَنَّ عُمُومَاتِ الزَّكَاةِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الْحَوْلِ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ تَبَعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، إذْ الْأَصْلُ يَزْدَادُ بِهِ وَيَتَكَثَّرُ وَالزِّيَادَةُ تَبَعٌ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالتَّبَعُ لَا يُفْرَدُ بِالشَّرْطِ كَمَا لَا يُفْرَدُ بِالسَّبَبِ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ التَّبَعُ أَصْلًا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِحَوْلِ الْأَصْلِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ بِخِلَافِ الْمُسْتَفَادِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْلَ لَا يَزْدَادُ بِهِ وَلَا يَتَكَثَّرُ؟ وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ كَوْنَهُ أَصْلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ تَبَعًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ يَزْدَادُ بِهِ وَيَتَكَثَّرُ، فَكَانَ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ وَتَبَعًا مِنْ وَجْهٍ، فَتَتَرَجَّحُ جِهَةُ التَّبَعِيَّةِ فِي حَقِّ الْحَوْلِ احْتِيَاطًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَعَامٌّ خُصَّ مِنْهُ بَعْضُهُ وَهُوَ الْوَلَدُ وَالرِّبْحُ فَيَخُصُّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنَّمَا يَضُمُّ الْمُسْتَفَادَ عِنْدَنَا إلَى أَصْلِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَكَامَلُ بِهِ النِّصَابُ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا حَالَ وُجُودِ الْمُسْتَفَادِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ عَلَى الْأَصْلِ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ عَلَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ طَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ؟ وَأَمَّا الْمُسْتَفَادُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْحَوْلِ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يُضَمُّ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْحَوْلِ الَّذِي اُسْتُفِيدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ عَلَيْهِ يُجْعَلُ مُتَجَدِّدًا حُكْمًا كَأَنَّهُ انْعَدَمَ الْأَوَّلُ وَحَدَثَ آخَرُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ وَهُوَ النَّمَاءُ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْحَوْلِ فَيَصِيرُ النِّصَابُ كَالْمُتَجَدِّدِ، وَالْمَوْجُودُ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ، وَالْمُسْتَفَادُ إنَّمَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ الْمَوْجُودِ لَا لِلْمَعْدُومِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَفَادُ ثَمَنُ الْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا يُزَكَّى بِحَوْلِ الْأَصْلِ بَلْ يُشْتَرَطُ لَهُ حَوْلٌ عَلَى حِدَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَمَّ حَوْلُ السَّائِمَةِ فَزَكَّاهَا، ثُمَّ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ وَلَمْ يَتِمَّ حَوْلُ الدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ لِلثَّمَنِ حَوْلًا عِنْدَهُ وَلَا يُضَمُّ إلَى الدَّرَاهِمِ، وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ وَلَوْ زَكَّاهَا ثُمَّ جَعَلَهَا عَلُوفَةً ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ ثَمَنَهَا يُضَمُّ إلَى الدَّرَاهِمِ فَيُزَكَّى الْكُلُّ بِحَوْلِ الدَّرَاهِمِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ فَأَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ، أَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ فَأَدَّى عُشْرَهُ، أَوْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ فَأَدَّى خَرَاجَهَا ثُمَّ بَاعَهَا يُضَمُّ ثَمَنُهَا إلَى أَصْلِ النِّصَابِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الزَّكَاةِ مُطْلَقَةٌ عَنْ شَرْطِ الْحَوْلِ وَاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْإِبِلِ الْمَعْلُوفَةِ، وَعَبْدُ الْخِدْمَةِ، وَالطَّعَامُ الْمَعْشُورُ، وَالْأَرْضُ الَّتِي أَدَّى خَرَاجَهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عُمُومُ قَوْلِهِ: ﷺ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَالٍ وَمَالٍ، إلَّا أَنَّ الْمُسْتَفَادَ الَّذِي لَيْسَ بِثَمَنِ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ صَارَ مَخْصُوصًا بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى أَصْلِ الْعُمُومِ وَصَارَ مَخْصُوصًا عَنْ عُمُومَاتِ الزَّكَاةِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﷺ «لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ» أَيْ: لَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنَّ الْأَخْذَ حَالَ اخْتِلَافِ الْمَالِكِ، وَالْحَوْلُ وَالْمَالُ صُورَةٌ وَمَعْنًى صَارَ مَخْصُوصًا، وَهَهُنَا لَمْ يُوجَدْ اخْتِلَافُ الْمَالِكِ وَالْحَوْلِ وَلَا شَكَّ فِيهِ.
وَكَذَا الْمَالُ لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانَتْ السَّائِمَةُ قَائِمَةً مَعْنًى وَمَا ذُكِرَا مِنْ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَيَكُونُ بَاطِلًا عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ التَّبَعِيَّةِ إنْ كَانَ يُوجِبُ الضَّمَّ فَاعْتِبَارُ الْبِنَاءِ يُحَرِّمُ الضَّمَّ، وَالْقَوْلُ بِالْحُرْمَةِ أَوْلَى احْتِيَاطًا.
وَأَمَّا إذَا زَكَّاهَا ثُمَّ جَعَلَهَا عَلُوفَةً ثُمَّ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُضَمُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُضَمُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهَا عَلُوفَةً فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالَ الزَّكَاةِ لِفَوَاتِ وَصْفِ النَّمَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ وَحَدَثَ عَيْنٌ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ بَدَلَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْبِنَاءِ.
وَكَذَا فِي الْمَسَائِلِ الْأُخَرِ الثَّمَنُ لَيْسَ بَدَلَ مَالِ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْمَالُ النَّامِي الْفَاضِلُ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَلَا يَكُون الضَّمُّ بِنَاءً وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابَانِ أَحَدَهُمَا ثَمَنُ الْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ وَالْآخَرَ