لَا زَكَاةَ فِيهِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ بِقَوْلِهِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ شَاةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ فَلَيْسَ بِشَاةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَحْلِ فَلَا يَكُونُ شَاةً عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ.
(وَلَنَا) أَنَّ جَانِبَ الْأُمِّ رَاجِحٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلِمَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَمِنْهَا السِّنُّ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مَسَانَّ أَوْ بَعْضُهَا فَإِنْ كَانَ كُلُّهَا صِغَارًا فُصْلَانًا أَوْ حُمْلَانًا أَوْ عَجَاجِيلَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْكِبَارِ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَمَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يَجِبُ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي زَكَاةِ الْفُصْلَانِ، فِي رِوَايَةٍ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ عَدَدًا لَوْ كَانَتْ كِبَارًا تَجِبُ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فِي الْخَمْسِ خُمُسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشْرِ خُمُسُ فَصِيلٍ، وَفِي خَمْسَةَ عَشْرَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فِي الْخَمْسِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ شَاةٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ خُمُسِ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي الْعَشْرِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ شَاتَيْنِ وَإِلَى قِيمَةِ خُمُسَيْ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي خَمْسَةِ عَشْرَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ ثَلَاثِ شِيَاهٍ وَإِلَى قِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي عِشْرِينَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ أَرْبَعَةِ شِيَاهٍ وَإِلَى قِيمَةِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ يَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَعَلَى رِوَايَاتِهِ كُلِّهَا قَالَ: لَا تَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْعَدَدَ الَّذِي لَوْ كَانَتْ كِبَارًا يَجِبُ فِيهَا اثْنَانِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ، ثُمَّ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْعَدَدَ الَّذِي لَوْ كَانَتْ كِبَارًا يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثَةٌ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ.
وَاحْتَجَّ زُفَرُ بِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ: ﷺ «فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ» ، وَقَوْلِهِ: «فِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ.
وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» ، وَفِي قَوْلِهِ «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» هُوَ الْكَبِيرَةُ لَا الصَّغِيرَةُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ فِي الصِّغَارِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» لَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِ الْمُسِنَّةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِلسُّعَاةِ: «إيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» ، وَقَوْلُهُ: «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ الْأَمْوَالِ وَلَكِنْ خُذُوا مِنْ حَوَاشِيهَا» وَأَخْذُ الْكِبَارِ مِنْ الصِّغَارِ أَخْذٌ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ وَحَزَرَاتِهَا وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَانِبِ الْمُلَّاكِ وَجَانِبِ الْفُقَرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْوَسَطُ؟ وَمَا كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا مُرَاعَاتِهِ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي إيجَابِ الْمُسِنَّةِ إضْرَارٌ بِالْمُلَّاكِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا قَدْ تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ النِّصَابِ وَفِيهِ إجْحَافٌ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَفِي نَفْيِ الْوُجُوبِ رَأْسًا إضْرَارٌ بِالْفُقَرَاءِ فَكَانَ الْعَدْلُ فِي إيجَابِ وَاحِدَةٍ، مِنْهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ، وَالْعَنَاقُ هِيَ الْأُنْثَى الصَّغِيرَةُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ، فَدَلَّ أَنَّ أَخْذَ الصِّغَارِ زَكَاةً كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَنْصِيبَ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَهَذِهِ الْأَسَامِي لَا تَتَنَاوَلُ الْفُصْلَانَ وَالْحُمْلَانَ وَالْعَجَاجِيلَ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا نِصَابًا وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ وَكَانَ مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: فِي عَهْدِي أَنْ لَا آخُذَ مِنْ رَاضِعِ اللَّبَنِ شَيْئًا.
وَأَمَّا قَوْلُ الصِّدِّيقِ: ﵁ " لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا " فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا وَهُوَ صَدَقَةُ عَامٍ أَوْ الْحَبْلُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الصَّدَقَةُ.
فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً، وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ كَلَامُ تَمْثِيلٍ لَا تَحْقِيقٍ أَيْ: لَوْ وَجَبَتْ هَذِهِ وَمَنَعُوهَا لَقَاتَلْتُهُمْ.
وَأَمَّا صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مُشْكِلَةٌ إذْ الزَّكَاةُ لَا تَجِبُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَبْقَى اسْمُ الْفَصِيلِ وَالْحَمَلِ وَالْعُجُولِ بَلْ تَصِيرُ مُسِنَّةً.
قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْحَوْلَ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا وَهِيَ صِغَارًا؟ وَيُعْتَبَرُ انْعِقَادُ الْحَوْلِ عَلَيْهَا إذَا كَبِرَتْ وَزَالَتْ صِفَةُ الصِّغَرِ عَنْهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ النُّوقِ فَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَهِيَ صِغَارٌ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَوْلَادِ أَمْ لَا؟ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا كَانَ لَهُ مُسِنَّاتٌ فَاسْتَفَادَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ صِغَارًا ثُمَّ هَلَكَتْ الْمُسِنَّاتُ وَبَقِيَ الْمُسْتَفَادُ أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمُسْتَفَادِ؟ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ حَمَلًا وَوَاحِدَةٌ مُسِنَّةً