الْمَجْحُودِ وَلَا عَنْ عَبْدِهِ الْمَأْسُورِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَأَشْبَهَ الْمُكَاتَبَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ فِي رَقِيقِ الْأَخْمَاسِ وَرَقِيقِ الْقُوَّامِ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى مَرَافِقِ الْعَوَامّ مِثْلِ زَمْزَمَ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَرَقِيقِ الْفَيْءِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ إذْ هُمْ لَيْسَ لَهُمْ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَكَذَلِكَ السَّبْيُ وَرَقِيقُ الْغَنِيمَةِ، وَالْأَسْرَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى أَصْلِهِ لِمَا قُلْنَا.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَصَدَقَةُ فِطْرِهِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» ، وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلذَّاتِ الْمَمْلُوكَةِ وَأَنَّهُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَحَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنَافِعِ فَكَانَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يُخْرِجُ عَنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُخْرِجُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ وَلَنَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ زَكَاةِ الْمَالِ وَبَيْنَ زَكَاةِ الرَّأْسِ يَكُونُ ثِنًى فِي الصَّدَقَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لَا ثِنًى فِي الصَّدَقَةِ» ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا صَدَقَةُ فِطْرِهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَيْهِمَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا الْمَوْلَى يَتَحَمَّلُ عَنْهُ بِالْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ.
وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْوُجُوبُ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ رَأْسٌ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزْوِيجَهُ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ؟ وَإِنْ كَانَ عَدَدٌ مِنْ الْعَبِيدِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ قَسَمُوا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ كَامِلٌ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ فِطْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا كَامِلًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الرَّقِيقُ قِسْمَةَ جَمْعٍ فَيَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا تَامًّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالزَّكَاةِ فِي السَّوَائِمِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذَا وَإِنْ كَانَ يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ لِنُقْصَانِ الْوِلَايَةِ إذْ لَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ وَكَمَالُ الْوِلَايَةِ بَعْضُ أَوْصَافِ السَّبَبِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِهِمَا فَلَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْجَارِيَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ فِطْرِهِ تَامَّةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ، وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ لَا تَجِبُ عَنْهُ إلَّا فِطْرَةٌ وَاحِدَةٌ كَسَائِرِ الْأَشْخَاصِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَلَدَ ابْنٌ تَامٌّ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ.
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا أَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مَوْقُوفَةٌ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ، أَوْ بِالْإِجَازَةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَإِنْ فُسِخَ فَعَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ تَمَّ الْبَيْعُ، أَوْ انْفَسَخَ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَمَّ الْبَيْعُ، أَوْ انْفَسَخَ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَقْدٍ ثَانٍ فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَدَقَةُ فِطْرِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَقِّدْ تَقَرَّرَ بِالْقَبْضِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا جَانِبُ الْبَائِعِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ.
وَوَقْتُ الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ كَانَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا جَانِبُ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ انْفَسَخَ قَبْلَ تَمَامِهِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَصْلِ.
وَلَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ، أَوْ عَيْبٍ إنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ رَدَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ جَدِيدٍ وَإِنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فَإِنْ كَانَ مَرَّ وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَعَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَمَرَّ عَلَيْهِ يَوْمُ الْفِطْرِ وَهُوَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ صَدَقَةُ فِطْرِهِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَصَدَقَةُ فِطْرِهِ مَوْقُوفَةٌ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ فَإِنْ رَدَّهُ فَعَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ.
وَيُخْرِجُ عَنْ، أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَإِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِقَوْلِهِ ﷺ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ» وَلِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَبِ