فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ يُوثَقُ بِهِ وَجَوَازُ مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُخْرِجَ الْأَقِطَ فَإِنْ أَخْرَجَ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ، وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَالْمُدُّ رِطْلَانِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ» وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّ هَذَا صَاعُ عُمَرَ ﵁.
وَنَقْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَالِكًا مِنْ فُقَهَائِهِمْ يَقُولُ: صَاعُ الْمَدِينَةِ ثَبَتَ بِتَحَرِّي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَلَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ صَاعَ عُمَرَ ﵁ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فَالْعَمَلُ بِصَاعِ عُمَرَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِصَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَزْنًا وَكَيْلًا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزْنًا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَيْلًا حَتَّى لَوْ وَزَنَ وَأَدَّى جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فِيمَا يَسْتَوِي كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَهُوَ الْعَدَسُ، وَالْمَاشُّ، وَالزَّبِيبُ، وَإِذَا كَانَ الصَّاعُ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْعَدَسِ، وَالْمَاشُ فَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي يُكَالُ بِهِ الشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ.
وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ كَالْعَدَسِ، وَالْمَاشِّ وَمَا سِوَاهُمَا يَخْتَلِفُ مِنْهَا مَا يَكُونُ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ كَيْلِهِ كَالشَّعِيرِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ كَيْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ كَالْمِلْحِ فَيَجِبُ تَقْدِيرُ الْمَكَايِيلِ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ وَزْنُهُ وَكَيْلُهُ كَالْعَدَسِ، وَالْمَاشِّ فَإِذَا كَانَ الْمِكْيَالُ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي يُكَالُ بِهِ الشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الصَّاعِ وَأَنَّهُ مِكْيَالٌ لَا يَخْتَلِفُ وَزْنُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ خِفَّةً وَثِقَلًا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ النَّاسَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي صَاعٍ يُقَدِّرُونَهُ بِالْوَزْنِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْوَزْنُ وَأَمَّا صِفَةُ الْوَاجِبِ فَهُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَيْنٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ فُلُوسًا، أَوْ عُرُوضًا، أَوْ مَا شَاءَ وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّكَاةِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِوُجُوبِ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ، وَفِي تَجْوِيزِ الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ حُكْمُ النَّصِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ ﷺ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» ، وَالْإِغْنَاءُ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ بَلْ أَتَمَّ وَأَوْفَرَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى دَفْعِ الْحَاجَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِالْإِغْنَاءِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَجْوِيزِ الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ حُكْمُ النَّصِّ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَدَّى عَنْهُ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْحِنْطَةِ عَنْ الْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِأَنْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ غَيْرِ الْحِنْطَةِ عَنْ الْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِأَنْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ الْحِنْطَةِ بَلْ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ تَكْمِيلُ الْبَاقِي وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ إنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ يَثْبُتُ بِعَيْنِ النَّصِّ لَا بِمَعْنَى النَّصِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ يَثْبُتُ بِالْمَعْنَى أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِنَا بِسَمَرْقَنْدَ وَأَمَّا فِي الْجِنْسِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْجِنْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ الْجَوْدَةُ، وَالْجَوْدَةُ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْجَوْدَةِ،، وَالسَّاقِطُ شَرْعًا مُلْحَقٌ بِالسَّاقِطِ حَقِيقَةً.
وَأَمَّا فِي خِلَافِ الْجِنْسِ فَوَجْهُ التَّخْرِيجِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عِنْدَ هُجُومِ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَإِمَّا الْقِيمَةُ وَمَنْ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ الْعَيْنَ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ وَلِأَيِّهِمَا اخْتَارَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ الْأَصْلِ فَإِذَا أَدَّى بَعْضَ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ تَعَيَّنَ وَاجِبًا