وَهُوَ صَائِمٌ» .
وَرُوِيَ «أَنَّ شَابًّا وَشَيْخًا سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَنَهَى الشَّابَّ وَرَخَّصَ لِلشَّيْخِ وَقَالَ: الشَّيْخُ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ وَأَنَا أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِي» وَفِي رِوَايَةٍ «الشَّيْخُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ» وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ لَا يُؤْمَنُ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ ظَاهِرًا وَغَالِبًا بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ وَفِي حَدِيثَ عَائِشَةَ ﵂ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَتْ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ لِغَيْرِ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْبِقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ لِلْوُضُوءِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ.
وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاغْتِسَالُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ وَالتَّلَفُّفُ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ مَاءً مِنْ شِدَّةٍ الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ كَانَ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَيَتَلَفَّفُ بِهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَفْعُ أَذَى الْحَرِّ فَلَا يُكْرَهُ، كَمَا لَوْ اسْتَظَلَّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الضَّجَرِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهَا، وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَحْمُولٌ عَلَى حَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ حَالُ خَوْفِ الْإِفْطَارِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ.
وَكَذَا فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ ﵁ مَحْمُولٌ مِثْلُ هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ.
وَلَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ» .
وَلَوْ احْتَجَمَ لَا يُفْطِرُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُفْطِرهُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ ﵄ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَلَوْ كَانَ الِاحْتِجَامُ يُفْطِرُ لَمَا فَعَلَهُ.
وَرَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ» وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ رُخِّصَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إثْبَاتُ الْفِطْرِ بِالْحِجَامَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ الْفِطْرَ وَهُوَ ذَهَابُ ثَوَابِ الصَّوْمِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِرَجُلٍ يَحْجِمُ رَجُلًا وَهُمَا يَغْتَابَانِ فَقَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»
أَيْ: بِسَبَبِ الْغِيبَةِ مِنْهُمَا عَلَى مَا رُوِيَ «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» وَلِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَيْسَتْ إلَّا إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ وَالْفِطْرُ مِمَّا يَدْخُلُ وَالْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ كَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَصُومَ صَوْمَ تَطَوُّعٍ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» وَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي حَالِ الصَّوْمِ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا إنْ كَانَ يَضُرُّهُ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مَعَ الصَّوْمِ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهَا.
فَإِنْ كَانَ صِيَامُهَا لَا يَضُرُّهُ بِأَنْ كَانَ صَائِمًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ فَلَا مَعْنَى لِلْمَنْعِ وَلَيْسَ لِعَبْدٍ وَلَا أَمَةٍ وَلَا مُدَبَّرٍ وَلَا مُدَبَّرَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ أَنْ تَصُومَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى إلَّا فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ الْفَرَائِضُ فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى التَّطَوُّعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ الْمَوْلَى أَوْ لَا يَضُرُّهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْمَنْعَ هَهُنَا لِمَكَانِ الْمِلْكِ فَلَا يَقِفُ عَلَى الضَّرَرِ.
وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُفَطِّرَ الْمَرْأَةَ إذَا صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَا لِلْمَوْلَى، وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا أَوْ بَانَتْ مِنْهُ، وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ أُعْتِقَ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي التَّطَوُّعِ قَدْ صَحَّ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُمَا مُنِعَا فِي الْمُضِيِّ فِيهِ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، فَإِذَا أَفْطَرَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ.
وَأَمَّا الْأَجِيرُ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ الرَّجُلُ لِيَخْدِمَهُ فَلَا يَصُومُ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّ صَوْمَهُ يَضُرُّ الْمُسْتَأْجِرَ أَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي مَنَافِعِهِ بِقَدْرِ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْخِدْمَةُ، وَالْخِدْمَةَ حَاصِلَةٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُنَاكَ مِلْكُ الرَّأْسِ وَأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمَنَافِعِ سِوَى الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى، وَهَهُنَا الْمَانِعُ مِلْكُ بَعْضِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ قَدْرُ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْخِدْمَةُ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ.
وَأَمَّا بِنْتُ الرَّجُلِ وَأُمُّهُ وَأُخْتُهُ فَلَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِغَيْرِ