عَامِي هَذَا مُشْرِكٌ، وَلَا عُرْيَانٌ» وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ لِمَكَانِ الطَّوَافِ تَمَكَّنَ فِيهِ النَّقْصُ فَيَجِبُ جَبْرُهُ بِالدَّمِ لَكِنْ بِالشَّاةِ لَا بِالْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فِيهِ كَالنَّقْصِ بِالْحَدَثِ لَا كَالنَّقْصِ بِالْجَنَابَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ طَافَ تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَأَحَبُّ إلَيْنَا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ سِوَى الَّذِي طَافَ، وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ النَّقْصُ فِيهِ أَقَلَّ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ، وَمُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي الطَّوَافِ لَا تُفْسِدُ عَلَيْهِ طَوَافَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ إنَّمَا عُرِفَتْ مُفْسِدَةً فِي الشَّرْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَالطَّوَافُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً، وَلَا اشْتِرَاكَ أَيْضًا، وَالْمُوَالَاةُ فِي الطَّوَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الطَّائِفُ مِنْ طَوَافِهِ لِصَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أَوْ لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى عَلَى طَوَافِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الْمُوَالَاةِ.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «خَرَجَ مِنْ الطَّوَافِ، وَدَخَلَ السِّقَايَةَ فَاسْتَسْقَى فَسَقَى فَشَرِبَ ثُمَّ عَادَ، وَبَنَى عَلَى طَوَافِهِ» ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ حَتَّى لَوْ طَافَ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِذَا طَافَ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا» .
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] ، وَالرَّاكِبُ لَيْسَ بِطَائِفٍ حَقِيقَةً فَأَوْجَبَ ذَلِكَ نَقْصًا فِيهِ فَوَجَبَ جَبْرُهُ بِالدَّمِ.
وَأَمَّا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرٍ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد مَا أَسَنَّ، وَبَدَنَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ آخَرَ، وَهُوَ التَّعْلِيمُ كَذَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ طَافَ رَاكِبًا لِيَرَاهُ النَّاسُ فَيَسْأَلُوهُ، وَيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ، وَهَذَا عُذْرٌ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَخْرُجَ مَا إذَا طَافَ زَحْفًا أَنَّهُ إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ أَجْزَأَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِقَدْرِ الْوُسْعِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَالدَّمُ إنْ كَانَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَشْيًا، وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ زَحْفًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ إيقَاعَ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ فَلَغَتْ الْجِهَةُ، وَبَقِيَ النَّذْرُ بِأَصْلِ الْعِبَادَةِ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ لِلْحَجِّ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ طَافَ زَحْفًا أَعَادَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا طَافَ زَحْفًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُجْزِئُهُ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ يَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَصُومَ يَوْمًا آخَرَ، وَلَوْ صَلَّى فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَصَامَ يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَهُ، وَخَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ كَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ مَا إذَا طَافَ مَحْمُولًا أَنَّهُ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ جَازَ، وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَاشِيًا، وَاجِبٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُوجِبُ الدَّمَ.
فَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِهِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الِابْتِدَاءِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْدَأْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي الرُّقَيَّاتِ إذَا افْتَتَحَ الطَّوَافَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى الْحَجَرِ فَيَبْدَأَ مِنْهُ الطَّوَافَ فَهَذَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْهُ شَرْطُ الْجَوَازِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ إمَّا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ أَوْ الْفَرْضِ مَا رُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ ﷺ لَمَّا انْتَهَى فِي الْبِنَاءِ إلَى مَكَانِ الْحَجَرِ قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ ﵊ ائْتِنِي بِحَجَرٍ أَجْعَلْهُ عَلَامَةً لِابْتِدَاءِ الطَّوَافِ فَخَرَجَ، وَجَاءَ بِحَجَرٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِغَيْرِهِ فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَالَ ائْتِنِي بِغَيْرِهِ فَأَتَاهُ بِثَالِثٍ فَأَلْقَاهُ، وَقَالَ جَاءَنِي بِحَجَرٍ مَنْ أَغْنَانِي عَنْ حَجَرِكَ فَرَأَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ يَمِينِ الْحَجَرِ لَا مِنْ يَسَارِهِ فَلَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْجَوَازِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا حَتَّى يَجُوزَ الطَّوَافُ مَنْكُوسًا بِأَنْ افْتَتَحَ الطَّوَافَ عَنْ يَسَارِ الْحَجَرِ، وَيُعْتَدُّ بِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْجَوَازِ لَا يَجُوزُ بِدُونِهِ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ افْتَتَحَ الطَّوَافَ مِنْ يَمِينِ الْحَجَرِ لَا مِنْ يَسَارِهِ» ، وَذَلِكَ تَعْلِيمٌ مِنْهُ ﷺ مَنَاسِكَ الْحَجِّ.
وَقَدْ قَالَ ﵊
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute