يَبْلُغُ دَمًا.
وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَمِيعِهِ دَمٌ يَجِبُ فِي أَقَلِّهِ صَدَقَةٌ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَهُنَا لَوْ تَرَكَ جَمِيعَ الرَّمْيِ إلَى الْغَدِ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا تَرَكَ أَقَلَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا لِمَا نَذْكُرُ، وَإِنْ تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِهِ دَمٌ عِنْدَهُ فَكَذَا فِي أَكْثَرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ فِي جَمِيعِهِ دَمٌ فَكَذَا فِي أَكْثَرِهِ، فَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ أَحَدِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ أَقَلَّ، وَظِيفَةِ الْيَوْمِ، وَهُوَ رَمْيُ سَبْعِ حَصَيَاتٍ فَكَانَ صَدَقَةً إلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْوَظِيفَةِ؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثُ جِمَارٍ فَكَانَ رَمْيُ جَمْرَةٍ مِنْهَا أَقَلَّهَا.
وَلَوْ تَرَكَ الْكُلَّ، وَهُوَ الْجِمَارُ الثَّلَاثُ فِيهِ لَلَزِمَهُ عِنْدَهُ دَمٌ فَيَجِبُ فِي أَقَلِّهَا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ إذَا تَرَكَ الْجَمْرَةَ فِيهِ، وَهُوَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ سَبْعَ حَصَيَاتٍ كُلُّ، وَظِيفَةِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَكَانَ تَرْكُهُ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ كُلِّ، وَظِيفَةِ الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ حَصَاةً، وَتَرْكُ ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ جَمْرَةٍ تَامَّةٍ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَهِيَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّمْيَ كُلَّهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَإِنَّهُ يَرْمِيهَا فِيهِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الرَّمْيَ مُؤَقَّتٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُ وَظِيفَةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْكُلِّ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْجِنَايَةِ وَاحِدٌ، حَظْرُهَا إحْرَامٌ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمَةٍ فَيَكْفِيهَا دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رُبْعَ رَأْسِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ أَيْضًا.
وَكَذَا لَوْ طَيَّبَ عُضْوًا وَاحِدًا أَوْ طَيَّبَ أَعْضَاءَهُ كُلَّهَا أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَوْ لَبِسَ ثِيَابًا كَثِيرَةً لَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ كَذَا هَهُنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ صَيُودًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ جَزَاؤُهُ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ هُنَاكَ مُتَقَوِّمَةٌ، فَإِنْ تَرَكَ الْكُلَّ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ الرَّمْيِ يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّمْيُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
أَمَّا سُقُوطُ الرَّمْيِ فَلِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا فَاتَ وَقْتُهَا أَنْ تَسْقُطَ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ يَجِبُ بِدَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ، ثُمَّ إنَّمَا وَجَبَ هُنَاكَ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ هَهُنَا، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ صَرَفَ مَا لَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْفَائِتِ مَشْرُوعًا فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ فَيُمْكِنَهُ صَرْفُ مَا لَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ رَمْيٌ مَشْرُوعٌ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ لِيَصْرِفَ مَا لَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ فَسَقَطَ ضَرُورَةً، وَنَظِيرُ هَذَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِهَا أَنَّهُ يَقْضِيهَا بِلَا تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ تَكْبِيرٌ مَشْرُوعٌ لِيَصْرِفَ مَا لَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ فَسَقَطَ أَصْلًا كَذَا هَذَا.
وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ فَلِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ رَمْيَ كُلِّ يَوْمٍ مُؤَقَّتٌ، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا فَهُوَ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ الرَّمْيِ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ فَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَبَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْوُسْطَى وَجَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ، وَلَا يُعِيدُ الْجَمْرَةَ الْأُولَى، أَمَّا إعَادَةُ الْوُسْطَى وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلِتَرْكِهِ التَّرْتِيبَ، فَإِنَّهُ مَسْنُونٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَتَّبَ فَإِذَا تَرَكَ الْمَسْنُونَ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، وَلَا يُعِيدُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعَادَ الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ صَارَتْ هِيَ الْأُولَى، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الرَّمَيَاتِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بِدَلِيلِ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يُرْمَى فِيهِ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، وَلَا يُرْمَى غَيْرُهَا مِنْ الْجِمَارِ، وَفِيمَا جَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ الْبَعْضُ مِنْ الْبَعْضِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَالْوُضُوءِ، بِخِلَافِ تَرْتِيبِ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ أَنَّهُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ الطَّوَافِ بِحَالٍ، فَإِنْ رَمَى كُلَّ جَمْرَةٍ بِثَلَاثِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فَيَرْمِي الْأُولَى بِأَرْبَعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى يُتِمَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَمْيَ تِلْكَ الْجَمْرَةِ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يُعِيدُ الْوُسْطَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ؛ لِأَنَّ قَدْرَ مَا فَعَلَ حَصَلَ قَبْلَ الْأُولَى فَيُعِيدُ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْكُلَّ يُعِيدُ فَإِذَا رَمَى الثَّلَاثَ أَوْلَى أَنْ يُعِيدَ، وَكَذَلِكَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعِ حَصَيَاتٍ فَإِنَّهُ يَرْمِي كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثٍ، ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ أَكْثَرُ الرَّمْيِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَتَّبَ الثَّانِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute