اُسْتُعْمِلَ فِي مَأْكُولٍ أَوْ شُقَاقِ رِجْلٍ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الطِّيبِ كَالشَّحْمِ.
، وَلَوْ كَانَ الطِّيبُ فِي طَعَامٍ طُبِخَ وَتَغَيَّرَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي أَكْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ يُوجَدُ رِيحُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِي الطَّعَامِ بِالطَّبْخِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُطْبَخْ يُكْرَهُ إذَا كَانَ رِيحُهُ يُوجَدُ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ غَالِبٌ عَلَيْهِ، فَكَانَ الطِّيبُ مَغْمُورًا مُسْتَهْلَكًا فِيهِ، وَإِنْ أَكَلَ عَيْنَ الطِّيبِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالطَّعَامِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ إذَا كَانَ كَثِيرًا.
وَقَالُوا فِي الْمِلْحِ يُجْعَلُ فِيهِ الزَّعْفَرَانُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّعْفَرَانُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْحَ يَصِيرُ تَبَعًا لَهُ، فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْحُ غَالِبًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الطِّيبِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الخشكنابخ الْأَصْفَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَيَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالْخَبِيصِ الْأَصْفَرِ لِلْمُحْرِمِ.
فَإِنْ تَدَاوَى الْمُحْرِمُ بِمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ الطِّيبِ لِمَرَضٍ أَوْ عِلَّةٍ، أَوْ اكْتَحَلَ بِطِيبٍ لِعِلَّةٍ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ إذَا فَعَلَهُ الْمُحْرِمُ لِضَرُورَةٍ وَعُذْرٍ فَعَلَيْهِ إحْدَى الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ.
، وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّ الطِّيبَ وَالرَّيْحَانَ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ ﵄ أَنَّهُمَا كَرِهَا شَمَّ الرَّيْحَانِ لِلْمُحْرِمِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ شَمَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ " وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ الطِّيبَ مَا لَهُ رَائِحَةٌ، وَالرَّيْحَانُ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَكَانَ طِيبًا، وَإِنَّا نَقُولُ: نَعَمْ إنَّهُ طِيبٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِقْ بِبَدَنِهِ وَلَا بِثِيَابِهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا شَمَّ رَائِحَتَهُ فَقَطْ وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، كَمَا لَوْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِينَ فَشَمَّ رَائِحَةَ الْعِطْرِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِارْتِفَاقِ.
وَكَذَا كُلُّ نَبَاتٍ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَكُلُّ ثَمَرَةٍ لَهَا رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ؛ لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِالرَّائِحَةِ وَلَوْ فَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِقْ بِبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ شَيْءٌ مِنْهُ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْعَطَّارِينَ بِمَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ وَذَلِكَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ.
فَإِنْ شَمَّ الْمُحْرِمُ رَائِحَةَ طِيبٍ تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ حَصَلَ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ، فَبَقِيَ شَمُّ نَفْسِ الرَّائِحَةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ مَرَّ بِالْعَطَّارِينَ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا لَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أَجْمَرَ وَطَالَ مُكْثُهُ بِالْبَيْتِ فَعَلِقَ فِي ثَوْبِهِ شَيْءٌ يَسِيرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِعَيْنٍ، وَبِمُجَرَّدِ الرَّائِحَةِ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا، فَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِثَوْبٍ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ هَهُنَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا فِي بَدَنِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ.
وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ قَدْ طَيَّبَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ إذَا غَلَبَ الْكُحْلَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى طَرِيقِ التَّدَاوِي أَوْ التَّطَيُّبِ.
فَإِنْ مَسَّ طِيبًا فَلَزِقَ بِيَدِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّطَيُّبِ؛ لِأَنَّهُ طَيَّبَ بِهِ يَدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّطَيُّبَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.
وَقَالُوا فِيمَنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَأَصَابَ يَدَهُ مِنْ طِيبِهِ: إنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الطِّيبَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّطَيُّبَ، وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَا يَقِفُ عَلَى الْقَصْدِ.
فَإِنْ دَاوَى جُرْحًا أَوْ تَطَيَّبَ لِعِلَّةٍ، ثُمَّ حَدَثَ جُرْحٌ آخَرُ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ الْأَوَّلَ بَاقٍ، فَكَانَ جِهَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَاحِدَةً فَتَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ.
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْتَجِمَ الْمُحْرِمُ، وَيَفْتَصِدَ، وَيَبُطَّ الْقُرْحَةَ، وَيَعْصِبَ عَلَيْهِ الْخِرْقَةَ، وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ، وَيَنْزِعَ الضِّرْسَ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ، وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَيَغْتَسِلَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ بِالْقُرْحَةِ، وَالْفَصْدُ وَبَطُّ الْقُرْحَةِ» وَالْجُرْحِ فِي مَعْنَى الْحِجَامَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا شَقُّ الْجِلْدَةِ وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّدَاوِي، وَالْإِحْرَامُ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّدَاوِي.
وَكَذَا جَبْرُ الْكَسْرِ مِنْ بَابِ الْعِلَاجِ، وَالْمُحْرِمُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ.
وَكَذَا قَلْعُ الضِّرْسِ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَابِ إزَالَةِ الضَّرَرِ فَيُشْبِهُ قَطْعَ الْيَدِ مِنْ الْأَكَلَةِ، وَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُحْرِمُ كَذَا هَذَا.
وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ: مَا نَفْعَلُ بِأَوْسَاخِنَا» .
فَإِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَهُمَا أَنَّ الْخِطْمِيَّ لَيْسَ بِطِيبٍ، وَإِنَّمَا يُزِيلُ الْوَسَخَ فَأَشْبَهَ الْأُشْنَانَ، فَلَا يَجِبُ بِهِ الدَّمُ، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ لَا لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخِطْمِيَّ طِيبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً فَيَجِبُ بِهِ الدَّمُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ؛ وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ الشَّعَثَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ فَأَشْبَهَ الْحَلْقَ.
فَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ»