للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا يَزْرَعُونَ فِي الْحَرَمِ وَيَحْصُدُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ وَكَذَا مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ أَحَدٌ، مِثْلُ شَجَرَةِ أُمِّ غَيْلَانَ وَشَجَرِ الْأَرَاكِ وَنَحْوُهُمَا، فَلَا بَأْسَ بِقَطْعِهِ، وَإِذَا قَطَعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَجْلِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِنْبَاتِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَصَارَ كَاَلَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً، شَجَرَةٌ أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ فَهِيَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحَرَمِ فَهِيَ مِنْ شَجَرِ الْحِلِّ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَصْلِ لَا إلَى الْأَغْصَانِ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَوْضِعُ الْأَصْلِ لَا التَّابِعَ.

وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ وَالْبَعْضُ فِي الْحِلِّ فَهِيَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَيُرَجَّحُ الْحَاظِرُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ مَوْضِعُ قَوَائِمِ الطَّيْرِ إذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا بِهِ، فَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ عَلَى غُصْنٍ هُوَ فِي الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرِ فِي الْحِلِّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غُصْنٍ هُوَ فِي الْحِلِّ فَلَا بَأْسَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ يُنْظَرُ إلَى مَكَانِ قَوَائِمِ الصَّيْدِ لَا إلَى أَصْلِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الصَّيْدِ بِقَوَائِمِهِ حَتَّى لَوْ رَمَى صَيْدًا قَوَائِمُهُ فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ أَنْ يَقْتُلَهُ.

وَلَوْ رَمَى صَيْدًا قَوَائِمُهُ فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ، وَلَا بَأْسَ لِلْحَلَالِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ وَبَعْضُهَا فِي الْحِلِّ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا هَذَا إذَا كَانَ قَائِمًا.

فَأَمَّا إذَا نَامَ فَجَعَلَ قَوَائِمَهُ فِي الْحِلِّ وَرَأْسَهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْقَوَائِمَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا بِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بِقَوَائِمِهِ بَلْ هُوَ كَالْمُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ، وَإِذَا بَطَلَ اعْتِبَارُ الْقَوَائِمِ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الْحَاظِرُ وَالْمُبِيحُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْحَاظِرِ احْتِيَاطًا، وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ كَمْأَةَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْكَمْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ النَّبَاتِ بَلْ هِيَ مِنْ وَدَائِعِ الْأَرْضِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُخْرِجُونَ الْقُدُورَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِهْلَاكُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَرَمِ، فَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﷿ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾ [العنكبوت: ٦٧] جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَ الْحَرَمِ آمِنًا؛ وَلِأَنَّ الْحَرَمَ لَمَّا أَفَادَ الْأَمْنَ لِغَيْرِهِ فَلَأَنْ يُفِيدَ لِنَفْسِهِ أَوْلَى.

ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ اجْتِنَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا إذَا فَعَلَ إذَا كَانَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ.

فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ حَتَّى لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، وَالْحَرَمُ يُثْبِتُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجَنِّبَهُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ تَأَدُّبًا وَتَعَوُّدًا كَمَا يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِنَابُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الصَّوْمُ يَصُومُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْفِدْيَةُ أَوْ الْإِطْعَامُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ فَعَلَ فِي حَالِ الرِّقِّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ.

وَكَذَا لَوْ فَعَلَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ.

وَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ فُصُولِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ فَلْنَرْجِعْ إلَى مَا كُنَّا فِيهِ، وَهُوَ بَيَانُ شَرَائِطِ الْأَرْكَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةً مِنْهَا فَمِنْهَا: الْإِسْلَامُ وَمِنْهَا: الْعَقْلُ وَمِنْهَا: النِّيَّةُ وَمِنْهَا: الْإِحْرَامُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِجَمِيعِ فُصُولِهِ وَعَلَائِقِهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ وَمِنْهَا:.

الْوَقْتُ فَلَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] وَالْعِبَادَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ أَوْقَاتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.

وَكَذَا إذَا فَاتَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ عَنْ وَقْتِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، وَيَفُوتُ الْحَجُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاشْتِبَاهِ اسْتِحْسَانًا بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا ثُمَّ تُبُيِّنَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ إذَا فَاتَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا لَكِنْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا مَرَّ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِثْلُ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَيَنْبَنِي أَيْضًا عَلَى مَعْرِفَةِ أَشْهُرِ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>