للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْقُبُلِ عِنْدَهُمَا حَتَّى قَالُوا بِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَيُوجِبُ الِاغْتِسَالَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُفْسِدُ؛ لِعَدَمِ كَمَالِ الِارْتِفَاقِ؛ لِقُصُورِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِيهِ لِسُوءِ الْمَحَلِّ، فَأَشْبَهَ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ : إنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِهَا لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ، الشَّافِعِيِّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَفْسُدُ الْحَجُّ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ، (وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّ الْجِمَاعَ إنَّمَا عُرِفَ مُفْسِدًا لِلْحَجِّ لِكَوْنِهِ مُفْسِدًا لِلْإِحْرَامِ، وَالْإِحْرَامُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بَاقٍ لِبَقَاءِ رُكْنِ الْحَجِّ - وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ - وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الرُّكْنِ بِدُونِ الْإِحْرَامِ فَصَارَ الْحَالُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَالْحَالِّ قَبْلُ،.

(وَلَنَا) أَنَّ الرُّكْنَ الْأَصْلِيَّ لِلْحَجِّ هُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَيْ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ أَخْبَرَ عَنْ تَمَامِ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّمَامَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ ذَا لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْوُقُوفِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ خُرُوجُهُ عَنْ احْتِمَالِ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وُجُودًا وَصِحَّةً لَا يَقِفُ وُجُودُهُ وَصِحَّتُهُ عَلَى الرُّكْنِ الْآخَرِ وَمَا وُجِدَ وَمَضَى عَلَى الصِّحَّةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالرِّدَّةِ، وَلَمْ تُوجَدْ وَإِذَا لَمْ يُفْسِدْ الْمَاضِيَ لَا يُفْسِدُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِفَسَادِهِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِمَا نَذْكُرُهُ.

وَيَسْتَوِي فِي فَسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْفَسَادِ، وَهُوَ مَا بَيَّنَّا وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِفَسَادِ حَجِّهِمَا حَيْثُ أَوْجَبُوا الْقَضَاءَ عَلَيْهِمَا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَامِدُ وَالْخَاطِئُ وَالذَّاكِرُ وَالنَّاسِي عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُفْسِدُهُ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ.

وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَهُوَ أَنَّ فَسَادَ الْحَجِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْحَظْرَ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَقُلْنَا نَحْنُ: يَثْبُتُ وَإِنَّمَا الْمَرْفُوعُ هُوَ الْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّوْعُ وَالْإِكْرَاهُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ؛ لَا يُزِيلُ الْحَظْرَ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهَا عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهَا اسْتِمْتَاعٌ بِالْجِمَاعِ فَلَا تَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ كَالْمَغْرُورِ.

إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ وَلَزِمَهُ الْغُرْمُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِمِ كَذَا هَذَا وَيَسْتَوِي فِيهِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ مُسْتَيْقِظَةً أَوْ نَائِمَةً حَتَّى يَفْسُدُ حَجُّهَا فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُجَامِعُ لَهَا مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا؛ لِأَنَّ النَّائِمَةَ فِي مَعْنَى النَّاسِيَةِ، وَالنِّسْيَانُ لَا يَمْنَعُ فَسَادَ الْحَجِّ كَذَا النَّوْمُ، وَيَسْتَوِي فِيهِ كَوْنُ الْمُجَامِعِ عَاقِلًا بَالِغًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ عَاقِلَةً بَالِغَةً حَتَّى يَفْسُدَ حَجُّهَا؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ مَحْظُورٌ عَلَيْهَا.

(وَأَمَّا) بَيَانُ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ فَفَسَادُ الْحَجِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ: مِنْهَا وُجُوبُ الشَّاةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وُجُوبُ بَدَنَةٍ (وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ إنَّمَا أَوْجَبَ الْبَدَنَةَ لِتَغْلِيظِ الْجِنَايَةِ، وَالْجِنَايَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَغْلَظُ؛ لِوُجُودِهَا حَالَ قِيَامِ الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ لِبَقَاءِ رُكْنَيْ الْحَجِّ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُهُمَا، فَلَمَّا وَجَبَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَلَأَنْ تَجِبَ قَبْلَهُ أَوْلَى، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْبَدَنَةَ فِي الْحِجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَعُدْ، وَالثَّانِي: إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَرَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: وَعَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَاسْمُ، الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لَكِنَّ الشَّاةَ أَدْنَى، وَالْأَدْنَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْغَنَمِ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ رَوَيْنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ أَدْنَاهُ شَاةٌ» وَيُجْزِئُ فِيهِ شَرِكَةٌ فِي جَزُورٍ أَوْ، بَقَرَةٍ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَشْرَكَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي الْبُدْنِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَذَبَحُوا الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ " وَاعْتِبَارُهُ بِمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَخَفُّ مِنْ الْجِنَايَةِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فَسَادَ الْحَجِّ، وَالْقَضَاءُ خُلْفٌ عَنْ الْفَائِتِ، فَيُجْبِرُ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَتَخِفُّ الْجِنَايَةُ فَيُوجِبُ نُقْصَانَ الْمُوجِبِ، وَبَعْدَ الْوُقُوفِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا تَجِبُ بِهِ الْجِنَايَةُ فَبَقِيَتْ مُتَغَلِّظَةً فَتَغَلَّظَ الْمُوجِبُ.

وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ جَامَعَ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ اسْتِحْسَانًا.

وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَمٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ تَكَرَّرَ فَتَكَرَّرَ الْوَاجِبُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>