للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَلِيُّ الْأَبْعَدَ كَانَ جَوَازُ النِّكَاحِ مِنْ طَرِيقِ الْوَكَالَةِ لَا مِنْ طَرِيقِ الْوِلَايَةِ لِانْعِدَامِهَا، وَالْوَكَالَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَإِذَا كَانَ وَلِيًّا فَالْجَوَازُ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى الْقَوْلِ وَلَوْ بَلَغَهَا النِّكَاحُ فَضَحِكَتْ كَانَ إجَازَةً لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَضْحَكُ مِمَّا يَسُرُّهُ، فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا وَلَوْ بَكَتْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً بَلْ يَكُونُ رَدًّا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْبُكَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلْحُزْنِ وَقَدْ يَكُونُ لِشِدَّةِ الْفَرَحِ فَلَا يُجْعَلُ رَدًّا وَلَا إجَازَةً لِلتَّعَارُضِ فَصَارَ كَأَنَّهَا سَكَتَتْ فَكَانَ رِضًا.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبُكَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ حُزْنٍ عَادَةً فَكَانَ دَلِيلَ السَّخَطِ وَالْكَرَاهَةِ لَا دَلِيلَ الْإِذْنِ وَالْإِجَازَةِ.

وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ كُلٌّ مِنْهُمَا رَجُلًا فَبَلَغَهَا ذَلِكَ فَإِنْ أَجَازَتْ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ جَازَ الَّذِي أَجَازَتْهُ وَبَطَلَ الْآخَرُ وَإِنْ أَجَازَتْهُمَا بَطَلَا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجَيْنِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَذَا هَذَا، وَإِنْ سَكَتَتْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رَدًّا وَلَا إجَازَةً حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا إذَا سَكَتَتْ بَطَلَ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا.

(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السُّكُوتَ مِنْ الْبِكْرِ كَالْإِجَازَةِ فَكَأَنَّهَا أَجَازَتْ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إجَازَةً لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ إجَازَةً فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ إجَازَةً لِلْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا، وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ إجَازَةً لِأَحَدِهِمَا لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا مُمْتَنِعٌ فَامْتَنَعَتْ إجَازَتُهُمَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ بِأَوْلَى بِالْإِجَازَةِ مِنْ الْآخَرِ، فَالْتَحَقَ السُّكُوتُ بِالْعَدَمِ وَوَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى الْإِجَازَةِ بِقَوْلٍ أَوْ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُؤْمِرَتْ الْبِكْرُ فَسَكَتَتْ فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ إذْنٌ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْذِنُ وَلِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا خُطِبَ إحْدَى بَنَاتِهِ دَنَا مِنْ خِدْرِهَا وَقَالَ إنَّ فُلَانًا يَذْكُرُ فُلَانَةَ ثُمَّ يُزَوِّجُهَا فَدَلَّ أَنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ اسْتِئْمَارِ الْوَلِيِّ إذْنٌ دَلَالَةً وَقَالُوا فِي الْوَلِيِّ إذَا قَالَ لِلْبِكْرِ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا فَقَالَتْ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ أَخْبَرَهَا فَقَالَتْ قَدْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَانَ إجَازَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إظْهَارُ عَدَمِ الرِّضَا بِالتَّزْوِيجِ مِنْ فُلَانٍ وَقَوْلَهَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَبُولٌ أَوْ سُكُوتٌ عَنْ الرَّدِّ وَسُكُوتُ الْبِكْرِ عَنْ الرَّدِّ يَكُونُ رِضًا وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَسَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ رِضًا كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَوْ قَالَ: أُزَوِّجُكِ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا حَتَّى عَدَّ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ فَمِنْ أَيِّهِمْ زَوَّجَهَا جَازَ وَلَوْ سَمَّى لَهَا الْجَمَاعَةَ مُجَمِّلًا بِأَنْ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ جِيرَانِي أَوْ مِنْ بَنِي عَمِّي فَسَكَتَتْ فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ لَمْ يَكُنْ رِضًا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ يُعْلَمُونَ فَيَتَعَلَّقُ الرِّضَا بِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُحْصَوْا لَمْ يُعْلَمُوا فَلَا يُتَصَوَّرُ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمَعْلُومِ مُحَالٌ - وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ -.

وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا سَمَّى الزَّوْجَ وَلَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ أَنَّهُ كَمْ هُوَ فَسَكَتَتْ فَسُكُوتُهَا لَا يَكُونُ رِضًا لِأَنَّ تَمَامَ الرِّضَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِذِكْرِ الزَّوْجِ وَالْمَهْرِ، ثُمَّ الْإِجَازَةُ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ وَإِذَا زَوَّجَ الثَّيِّبَ الْبَالِغَةَ وَلِيٌّ فَقَالَتْ: لَمْ أَرْضَ وَلَمْ آذَنْ.

وَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَذِنَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي عَلَيْهَا حُدُوثَ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ - وَهُوَ الْإِذْنُ وَالرِّضَا - وَهِيَ تُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا.

(وَأَمَّا) الْبِكْرُ إذَا تَزَوَّجَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك الْعَقْدُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ رَدَدْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي أَمْرًا حَادِثًا وَهُوَ الرَّدُّ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ الْقَوْلَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّعِيَةً ظَاهِرًا فَهِيَ مُنْكِرَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي عَلَيْهَا جَوَازَ الْعَقْدِ بِالسُّكُوتِ وَهِيَ تُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِرَدٍّ ظَاهِرٍ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ حَقِيقَةً كَذَا هَذَا ثُمَّ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ وَهُوَ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ الْمَعْرُوفَ لَا يَجْرِي فِي الْأَشْيَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>