للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَافِرِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي حَقِّهِ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِشْهَادُ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِ الرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] وَقَوْلِهِ ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَقَوْلِ النَّبِيِّ: «تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا» وَقَوْلِهِ «تَنَاكَحُوا» وَغَيْرِ ذَلِكَ مُطْلَقًا عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ، إلَّا أَنَّ أَهْلَ الشَّهَادَةِ وَإِسْلَامَ الشَّاهِدِ صَارَ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَمَنْ ادَّعَى كَوْنَهُ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّةَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَرُوِيَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ» وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ظَاهِرٌ وَهَذَا نِكَاحٌ بِشُهُودٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِعْلَامِ وَالْبَيَانِ، وَالْكَافِرُ مِنْ أَهْلِ الْإِعْلَامِ وَالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْعَقْلِ وَاللِّسَانِ وَالْعِلْمِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ، وَقَدْ وُجِدَ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ خُصَّتْ مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ فَبَقِيَتْ شَهَادَتُهُ لِلْمُسْلِمِ دَاخِلَةً تَحْتَهُ؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْكَافِرُ الشَّاهِدُ يَصْلُحُ وَلِيًّا فِي هَذَا الْعَقْدِ بِوَلَايَةِ نَفْسِهِ وَيَصْلُحُ قَابِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ فِيهِ صَلُحَ شَاهِدًا.

وَكَذَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ هَذِهِ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَلَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فَيَنْفُذُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى نَفْيِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " الْعَقْدُ خَلَا عَنْ الْإِشْهَادِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ " فَنَقُولُ: شَهَادَةُ الْكَافِرِ إنْ لَمْ تَصْلُحْ حُجَّةً لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَتَصْلُحُ حُجَّةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا لَا تَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ وَفِي جَعْلِهَا حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِ إثْبَاتُ الْوَلَايَةِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ هَهُنَا؛ لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَاهَا حُجَّةً لِلْمُسْلِمِ مَا كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الْوَلَايَةِ لِلْكَافِرِ، وَهَذَا جَائِزٌ عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا قَوْلَهُ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لَكِنَّ حُضُورَهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: حُجَّةً لَيْسَ بِشَرْطٍ لِانْعِقَادِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يَظْهَرُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّةَ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ عِنْدَ الدَّعْوَى؟ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلنِّكَاحِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ مُنْكِرٌ لَا يَظْهَرُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةً فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ سَوَاءً قَالَ الشَّاهِدَانِ: كَانَ مَعَنَا عِنْدَ الْعَقْدِ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَظْهَرُ كَمَا قَالَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَظْهَرُ سَوَاءً قَالَا: كَانَ مَعَنَا رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَعَلَى إثْبَاتِ فِعْلِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ شَهِدَا عَلَى نِكَاحٍ حَضَرَاهُ فَقَطْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نِكَاحٍ فَاسِدٍ عِنْدَهُ وَإِنْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُمَا حَضَرَاهُ وَمَعَهُمَا رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ إنْ كَانَتْ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ لَكِنْ فِيهَا إثْبَاتُ فِعْلِ الْمُسْلِمِ فَيَكُونُ شَهَادَةً عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا تُقْبَلُ كَمُسْلِمٍ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ فَجَحَدَ الذِّمِّيُّ دَعْوَى الْمُسْلِمِ وَزَعَمَ أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ فَأَقَامَ الْمُسْلِمُ بِشَاهِدَيْنِ ذِمِّيَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ وَقَضَى لَهُ بِهِ عَلَى هَذَا الذِّمِّيِّ قَاضٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهَا إثْبَاتُ فِعْلِ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي لَمْ تُقْبَلْ كَذَا هَذَا.

(وَجْهُ) الْكَلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي جَانِبِ الِاعْتِقَادِ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ، وَلِلْكَافِرِ وَلَايَةٌ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدَانِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ كَافِرَيْنِ وَوَقْتَ الْأَدَاءِ مُسْلِمَيْنِ فَشَهِدَا لِلزَّوْجِ فَعَلَى أَصْلِهِمَا لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا كَافِرَيْنِ تُقْبَلُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: تُقْبَلُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُقْبَلُ فَمَنْ قَالَ: تُقْبَلُ نَظَرَ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَمَنْ قَالَ: لَا تُقْبَلُ نَظَرَ إلَى وَقْتِ التَّحَمُّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>