وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ جَدَّاتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَهُنَّ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، فَكَانَتْ الْجَدَّاتُ أَقْرَبَ مِنْهُنَّ فَكَانَ تَحْرِيمُهُنَّ تَحْرِيمًا لِلْجَدَّاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى كَتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ نَصًّا يَكُونُ تَحْرِيمًا لِلشَّتْمِ وَالضَّرْبِ دَلَالَةً، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَيْضًا وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى " وَبَنَاتُكُمْ " سَوَاءً كَانَتْ بِنْتَهُ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ مِنْ السِّفَاحِ لِعُمُومِ النَّصِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْبِنْتُ مِنْ السِّفَاحِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ فَلَا تَكُونُ مُضَافَةً إلَيْهِ شَرْعًا فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ نَصِّ الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] وَفِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٣] كَذَا هَهُنَا؛ وَلِأَنَّا نَقُولُ: بِنْتُ الْإِنْسَانِ اسْمٌ لِأُنْثَى مَخْلُوقَةٍ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً، وَالْكَلَامُ فِيهِ فَكَانَتْ بِنْتَهُ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْإِضَافَةُ شَرْعًا إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ: إنَّ النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ ثَابِتَةٌ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ هُنَاكَ ثُبُوتَ النَّسَبِ شَرْعًا لِجَرَيَانِ الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ لِمَعْنًى.
وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ هَهُنَا فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.
وَتُحَرَّمُ بَنَاتُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتُ أَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَقْرَبُ مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ وَمِنْ الْأَخَوَاتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَخَوَاتِ أَوْلَادُ أَبِيهِ وَهُنَّ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ فَكَانَ ذِكْرُ الْحُرْمَةِ هُنَاكَ ذِكْرًا لِلْحُرْمَةِ هَهُنَا دَلَالَةً وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَيْضًا، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَخَوَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷿: ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] سَوَاءٌ كُنَّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ عَمَّةُ أَبِيهِ وَخَالَتُهُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَعَمَّةُ أُمِّهِ وَخَالَتُهُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ بِالْإِجْمَاعِ.
وَكَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ خَالَتِهِ وَخَالَتُهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ تُحَرَّمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ بَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ﴾ [النساء: ٢٣] وَبَنَاتُ بَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَإِنْ سَفَلْنَ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ حُرْمَةَ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَاتِ وَنَحْوِهِنَّ مِمَّنْ ذَكَرْنَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ أَيْضًا؛ لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ جَدَّةَ الْإِنْسَانِ تُسَمَّى أُمًّا لَهُ، وَبِنْتَ بِنْتِهِ تُسَمَّى بِنْتًا لَهُ فَكَانَتْ حُرْمَتُهُنَّ ثَابِتَةً بِعَيْنِ النَّصِّ، لَكِنْ هَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا مُنَافَاةٌ؛؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْأُمِّ عَلَى الْجَدَّةِ وَإِطْلَاقَ اسْمِ الْبِنْتِ عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَفَى اسْمَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ عَنْهُمَا كَانَ صَادِقًا فِي النَّفْيِ، وَهَذَا مِنْ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يُفَرَّقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَمْرُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ فِي الشَّرْعِ أَيْضًا حَتَّى إنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَسْتَ أَنْتَ بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا لَهُ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ بِالْحَدِّ؛ وَلِأَنَّ نِكَاحَ هَؤُلَاءِ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو عَنْ مُبَاسَطَاتٍ تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَادَةً وَبِسَبَبِهَا تَجْرِي الْخُشُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ فَكَانَ النِّكَاحُ سَبَبًا لِقَطْعِ الرَّحِمِ مُفْضِيًا إلَيْهِ، وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ وَالْمُفْضِي إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَعُمُّ الْفِرَقَ السَّبْعِ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ مُحَرَّمَةُ الْقَطْعِ وَاجِبَةُ الْوَصْلِ، وَيَخْتَصُّ الْأُمَّهَاتُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ احْتِرَامَ الْأُمِّ وَتَعْظِيمَهَا وَاجِبٌ، وَلِهَذَا أُمِرَ الْوَلَدُ بِمُصَاحَبَةِ الْوَالِدَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ لَهُمَا وَالْقَوْلِ الْكَرِيمِ وَنُهِيَ عَنْ التَّأْفِيفِ لَهُمَا فَلَوْ جَازَ النِّكَاحُ وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ تَحْتَ أَمْرِ الزَّوْجِ، وَطَاعَتُهُ وَخِدْمَتُهُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهَا لَلَزِمَهَا ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَنْفِي الِاحْتِرَامَ فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَاقُضِ وَتَحِلُّ لَهُ بِنْتُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَالْخَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ ثُمَّ أَخْبَرَ ﷾ أَنَّهُ أَحَلَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فَكُنَّ مِمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكُنَّ مُحَلَّلَاتٍ.
وَكَذَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ لَا تُوجِبُ الْفَصْلَ ثُمَّ خُصَّ عَنْهَا الْمُحَرَّمَاتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ فَبَقِيَ غَيْرُهُنَّ تَحْتَ الْعُمُومِ، وَقَدْ وَرَدَ نَصٌّ خَاصٌّ فِي الْبَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ [الأحزاب: ٥٠] إلَى قَوْلِهِ ﷿: ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ [الأحزاب: ٥٠] الْآيَةَ وَالْأَصْلُ فِيمَا يَثْبُتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَثْبُتَ لِأُمَّتِهِ، وَالْخُصُوصُ بِدَلِيلٍ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute