وَلَا مَذَلَّةَ عَلَى الرَّجُلِ، كَرَعْيِ دَوَابِّهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا، وَالْأَعْمَالُ الَّتِي خَارِجُ الْبَيْتِ تَصِحُّ بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأَمْرِهَا لَا مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ زَوْجَتِهِ إيَّاهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلِاسْتِخْدَامِ وَالِابْتِذَالِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا مُلْحَقًا بِالْبَهَائِمِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى النِّكَاحِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَعَاشِ فَكَانَ لَهَا فِي خِدْمَتِهِ حَقٌّ، فَإِذَا جَعَلَ خِدْمَتَهُ لَهَا مَهْرَهَا، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ مَا هُوَ لَهَا مَهْرَهَا فَلَمْ يَجُزْ كَالْأَبِ إذَا اسْتَأْجَرَ ابْنَهُ بِخِدْمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ سَائِرِ الْأَعْيَانِ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبِيدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ أَوْ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقِّقَةٌ، وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ بِالتَّسْلِيمِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فَجُعِلَتْ أَمْوَالًا وَالْتَحَقَتْ بِالْأَعْيَانِ فَصَحَّتْ تَسْمِيَتُهَا، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَأَشَارَ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا.
وَأَمَّا إنْ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَأَشَارَ إلَى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا، فَإِنْ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَأَشَارَ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ أَوْ عَلَى هَذِهِ الشَّاةِ الذَّكِيَّةِ، فَإِذَا هِيَ مَيْتَةٌ أَوْ عَلَى هَذَا الزِّقِّ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ " تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْكُلِّ، وَعَلَيْهِ فِي الْحُرِّ قِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا، وَفِي الشَّاةِ قِيمَةُ الشَّاةِ لَوْ كَانَتْ ذَكِيَّةً، وَفِي الْخَمْرِ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّنِّ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ فَقَالَ: مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ، وَمِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَمْرِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ الْعَبْدُ وَالشَّاةُ الذَّكِيَّةُ وَالْخَلُّ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَالٌ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ خِلَافَ جِنْسِ الْمُسَمَّى فِي صَلَاحِيَّةِ الْمَهْرِ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْحُرِّ وَالشَّاةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ، وَفِي الْخَمْرِ يَجِبُ مِثْلُهُ خَلًّا؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمُسَمَّى أَوْ اُسْتُحِقَّ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فِي الْعُقُودِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى هَذَا أَصْلٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ، وَالْحُرُّ مِنْ جِنْسِ الْعَبْدِ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ.
وَكَذَا الشَّاةُ الْمَيْتَةُ مِنْ جِنْسِ الشَّاةِ الذَّكِيَّةِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ وَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَارَ كَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَلَمْ يُسَمِّ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا وَسَكَتَ فَأَمَّا الْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ فَجِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى لَكِنْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَيَجِبُ مِثْلُهُ خَلًّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضِعَتْ لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تُحْضِرُ الْعَيْنَ وَتَقْطَعُ الشَّرِكَةَ، وَالتَّسْمِيَةُ لَا تُوجِبُ إحْضَارَ الْعَيْنِ وَلَا تَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَمْ يُسَمِّ، وَحَقِيقَةُ الْفِقْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا حُرٌّ سَمَّى عَبْدًا، وَتَسْمِيَةُ الْحُرِّ عَبْدًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَالْتَحَقَتْ الْإِشَارَةُ بِالْعَدَمِ أَيْضًا فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَهَذَا فِقْهٌ وَاضِحٌ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا إذَا سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا، وَأَشَارَ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَأَمَّا إذَا سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا، وَأَشَارَ إلَى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا هِيَ ذَكِيَّةٌ أَوْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ الْخَمْرِ، فَإِذَا هُوَ خَلٌّ، فَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ وَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ.
وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ، وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا حُكْمَ لَهَا مَعَ الْإِشَارَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ يَصْلُحُ مَهْرًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَكَانَ لَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ (وَجْهُ) مَا رَوَى مُحَمَّدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute