أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ فَلَمَّا قَبِلَ الزَّوْجُ التَّأْجِيلَ كَانَ ذَلِكَ رِضًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فِي الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ إذَا أَجَّلَ الثَّمَنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ وَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ تَقْدِيمُ تَسْلِيمِهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَا مَحَالَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ عَيْنًا يُسَلَّمَانِ مَعًا فَلَمْ يَكُنْ قَبُولُ الْمُشْتَرِي التَّأْجِيلَ رِضًا مِنْهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْقَبْضِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالتَّأْجِيلِ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوْجِ كَالْبَائِعِ إذَا أَجَّلَ الثَّمَنَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ فَبَقِيَ الْمَهْرُ حَالًّا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِنْ شَأْنِ الْمَهْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَسْلِيمُهُ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ فَنَقُولُ: نَعَمْ إذَا كَانَ مُعَجَّلًا أَوْ مَسْكُوتًا عَنْ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا تَأْجِيلًا صَحِيحًا فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَتَأَخَّرَ تَسْلِيمُهُ عَنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ تَسْلِيمِهِ ثَبَتَ حَقًّا لَهَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْقِيقًا لِلْمُعَاوَضَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُسَاوَاةِ حَقًّا لَهَا، فَإِذَا أَجَّلَتْهُ فَقَدْ أَسْقَطَتْ حَقَّ نَفْسِهَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ زَوْجِهَا؛ لِانْعِدَامِ الْإِسْقَاطِ مِنْهُ وَالرِّضَا بِالسُّقُوطِ، لِهَذَا الْمَعْنَى سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ كَذَا هَذَا وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إذَا أَعْطَاهَا الْحَالَّ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَإِذَا كَانَ الْبَعْضُ مُعَجَّلًا وَأَعْطَاهَا ذَلِكَ أَوْلَى، وَالْفِقْهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّوْجَ مَا رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَجَّلَ الْبَعْضَ فَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ التَّأْجِيلَ فَقَدْ رَضِيَ؛ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ.
وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى حَلَّ أَجَلُ الْبَاقِي فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إذَا أَعْطَاهَا الْحَالَّ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا وَشَرَطَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا كُلَّهُ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الدُّخُولَ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا فَحَلَّ الْأَجَلُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِتَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ قَدْ سَقَطَ بِالتَّأْجِيلِ، وَالسَّاقِطُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى.
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ حَالًّا فَأَخَّرَتْهُ شَهْرًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلٌ طَارِئٌ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ التَّأْجِيلِ الْمُقَارِنِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَلَوْ دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا بِرِضَاهَا - وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ - فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ، وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَلَا بِهَا.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ سَلَّمَتْ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِرِضَاهَا، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ التَّسْلِيمِ فَبَطَلَ حَقُّهَا فِي الْمَنْعِ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ، وَلَا شَكَّ فِي الرِّضَا وَأَهْلِيَّةِ التَّسْلِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا سَلَّمَتْ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ جَمِيعُ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ لَا يَتَأَكَّدُ بِتَسْلِيمِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَمَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْوَطَآتِ مُلْتَحِقٌ بِالِاسْتِخْدَامِ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فِي جَمِيعِ الْوَطَآتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي هَذَا الْمِلْكِ لَا بِالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ شَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ عَنْ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ احْتِرَامًا لِلْبُضْعِ وَإِبَانَةً لِخَطَرِهِ، فَكَانَتْ هِيَ بِالْمَنْعِ مُمْتَنِعَةً عَنْ تَسْلِيمِ مَا يُقَابِلُهُ بَدَلٌ فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ بِالْوَطْءِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَكَانَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَأْخُذَ مَهْرَهَا، فَكَذَا عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَّا أَنَّ الْمَهْرَ يَتَأَكَّدُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَعْلُومٌ وَمَا وَرَاءَهُ مَعْدُومٌ مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُهُ فِي الِانْقِسَامِ ثُمَّ عِنْدَ الْوُجُودِ يَتَعَيَّنُ قَطْعًا فَيَصِيرُ مُزَاحِمًا فَيَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الْبَدَلِ كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَجِبُ دَفْعُهُ بِهَا فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى، فَالثَّانِيَةُ تُزَاحِمُ الْأُولَى عِنْدَ وُجُودِهَا فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ بِهَا.
وَكَذَا الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِخِلَافِ الْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ كُلَّ الْمَبِيعِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا سَلَّمَ، وَهَهُنَا مَا سَلَّمَتْ كُلَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَمَا سَلَّمَتْ كُلَّ الْمَنَافِعِ بَلْ بَعْضَهَا دُونَ الْبَعْضِ، فَهِيَ بِالْمَنْعِ تَمْتَنِعُ عَنْ تَسْلِيمِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مُسَلَّمًا بَعْدُ، فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ كَالْبَائِعِ إذَا