للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقْبُوضٍ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سَقَطَ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ وَبَقِيَ النِّصْفُ هَذَا طَرِيقُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفٌ آخَرُ ابْتِدَاءً عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتْعَةِ لَا بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى، وَالْمُتْعَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ ذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِي وَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا: إنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ مُتْعَتُهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٤٩] أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتْعَةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ قُدِّرَتْ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷿: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ، وَسَلَامَةُ الْمُبْدَلِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ لِلْآخَرِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبْدَلَ إذَا عَادَ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ فَلَوْ لَمْ تُسَلِّمْ الْبَدَلَ إلَى الزَّوْجِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا الْمَهْرُ، وَلِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ قَوْلُهُ ﷿: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] أَوْجَبَ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ، فَإِيجَابُ نِصْفٍ آخَرَ عَلَى طَرِيقِ الْمُتْعَةِ إيجَابُ مَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْإِبْطَالِ وَضْعًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَانَ تَصَرُّفًا فِي الْمِلْكِ ثُمَّ إذَا بَطَلَ الْمِلْكُ لَا يَبْقَى النِّكَاحُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَنْتَهِي لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ وَيَتَقَرَّرُ فِيمَا مَضَى بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ تَصَرُّفًا فِي الْمِلْكِ ثُمَّ السَّبَبُ يَنْتَهِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ، وَيَتَقَرَّرُ فِيمَا مَضَى كَذَا الطَّلَاقُ.

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ إلَّا أَنَّ سُقُوطَ النِّصْفِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِإِحْدَاثِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ جَبْرًا لِلذُّلِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَبِالطَّلَاقِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ بِالنَّصِّ.

وَأَمَّا النَّصُّ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالنَّصِّ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷿: " وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ " الْآيَةَ أَوْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالتَّمَتُّعِ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ، وَقَوْلُهُمْ: (الطَّلَاقُ فَسَخُ النِّكَاحِ) مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْقَطْعِ وَالْإِبْطَالِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْإِعْتَاقِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا عَادَ إلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ بَلْ يَبْطُلُ مِلْكُ الزَّوْجِ عَنْ الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ وَيَصِيرُ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا أَنْ يَعُودَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُشْبِهُ الْفَسْخَ لِمَا قَالُوا، وَيُشْبِهُ الْإِبْطَالَ لِمَا قُلْنَا: وَشِبْهُ الْفَسْخِ يَقْتَضِي سُقُوطَ كُلِّ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَشِبْهُ الْإِبْطَالِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَنَصَّفُ تَوْفِيرُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّبَهَيْنِ عَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الطَّرِيقِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَوْلِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَرْأَةِ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا نِصْفُ الزَّكَاةِ.

وَلَوْ سَقَطَ الْمُسَمَّى كُلُّهُ ثُمَّ وَجَبَ نِصْفُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَسَقَطَ كُلُّ الزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ - بِسُقُوطِ كُلِّ الْمَهْرِ ثَمَّ يُوجِبُ نِصْفَهُ - غَيْرُ مُفِيدٍ، وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَلَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مَالٌ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَسَقَطَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ إذَا لَمْ يَقَعْ الْوَفَاءُ بِهِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى فَيَتَنَصَّفُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا هَدِيَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْكَرَامَةِ وَالْهَدِيَّةِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ حَتَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا: الْأَقَلُّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ بِالْإِجْمَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>