عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي جَانِبِهِنَّ أَصْلًا عِنْدَهُمَا، وَلَا تَكُونُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ.
وَلَوْ أَظْهَرَ رَجُلٌ نَسَبَهُ لِامْرَأَةٍ، فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ، ثُمَّ ظَهَرَ نَسَبُهُ عَلَى خِلَافِ مَا أَظْهَرَهُ، فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُومُ مِثْلَ الْمُظْهَرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَدْوَنَ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ بِأَنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ تَيْمِيٌّ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ عَدَوِيٌّ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ يَكُونُ رِضًا بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ بِأَنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ، فَظَهَرَ أَنَّهُ قُرَشِيٌّ، فَلَا خِيَارَ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَدْنَى يَكُونُ رِضًا بِالْأَعْلَى مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَنْ الْحَسَنِ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى لَا يَحْتَمِلُ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ الْأَدْنَى، فَلَا يَكُونُ الرِّضَا مِنْهَا بِالْمُظْهَرِ رِضًا بِالْأَعْلَى مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا تَرْضَى بِالْكُفْءِ، وَإِنْ كَانَ الْكُفْءُ لَا يَحْتَمِلُ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ غَيْرُ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْكُفْءِ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، فَكَانَ الرِّضَا بِالْمُظْهَرِ رِضًا بِالْأَعْلَى مِنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ أَدْوَنَ مِنْهُ بِأَنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قُرَشِيٌّ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ كُفْئًا لَهَا بِأَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَرَبِيَّةً؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا، وَلَمْ تَحْصُلْ، فَلَا تَكُونُ رَاضِيَةً بِدُونِهَا، فَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِدَفْعِ النَّقْصِ، وَلَا نَقِيصَةَ؛ لِأَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا هَذَا إذَا فَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ.
فَأَمَّا إذَا، فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ أَظْهَرَتْ امْرَأَةٌ نَسَبَهَا لِرَجُلٍ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَتْ، فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَيَتَّصِلُ بِهَذَا مَا إذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ، ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا أَمَتُهُ، فَإِنَّ الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ النِّكَاحَ، وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَصَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، فَوُقِفَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَيَغْرَمُ الْعُقْرَ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ حَقِيقَةً، فَلَا يَخْلُو عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِ الْعُقُوبَةِ لِلشُّبْهَةِ، فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ، وَأَمَّا الْوَلَدُ، فَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ حُرًّا؛ فَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ حَصَلَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ النِّكَاحِ إذْ لَا عِلْمَ لَلْمُسْتَوْلِدِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، فَكَانَ الْمُسْتَوْلِدُ مُسْتَحِقًّا لِلنَّظَرِ، وَالْمُسْتَحَقُّ مُسْتَحِقًّا لِلنَّظَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَوْنُ الْجَارِيَةِ مِلْكًا لَهُ، فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَرَاعَيْنَا حَقَّ الْمُسْتَوْلِدِ فِي صُورَةِ الْأَوْلَادِ، وَحَقَّ الْمُسْتَحِقِّ فِي مَعْنَى الْأَوْلَادِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَهُوَ مَنْعُ الْوَلَدِ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عَبْدًا فِي حَقِّهِ، وَمُنِعَ عَنْهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ.
وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِالْمَنْعِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمَنْعُ مِنْ الْمَغْرُورِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ تَرَكَ مَالًا، فَهُوَ مِيرَاثٌ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهُ، وَقَدْ مَاتَ حُرًّا، فَيَرِثُهُ، وَلَا يَغْرَمُ لِلْمُسْتَحِقِّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ قَتَلَهُ رَجُلٌ، وَأَخَذَ الْأَبُ الدِّيَةَ، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ الْمَقْتُولِ، فَتَقُومُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ حَيٌّ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ ضَرَبَ بَطْنَ الْجَارِيَةِ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا يَغْرَمُ الضَّارِبُ الْغُرَّةَ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ يَغْرَمُ الْمُسْتَوْلِدُ لِلْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا، فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، فَعُشْرُ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَبْدًا، فَالْأَوْلَادُ يَكُونُونَ أَرِقَّاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُونَ أَحْرَارًا، وَيَكُونُونَ أَوْلَادَ الْمَغْرُورِ (وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا وَلَدُ الْمَغْرُورِ حَقِيقَةً لِانْخِلَاقِهِ مِنْ مَائِهِ، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃، وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَيُتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃، وَهُمْ إنَّمَا قَضَوْا بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي الْمَغْرُورِ الْحُرِّ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِهِ مَرْدُودًا إلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ الْمَغْرُورُ هَلْ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ عَلَى الْغَارِّ، وَالْغَارُّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْلَى الْجَارِيَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هِيَ الْجَارِيَةُ، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَ حُرًّا، فَغَرَّهُ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ بِهَا، فَإِنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالتَّزْوِيجِ لَكِنَّهُ زَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ قَالَ: هِيَ حُرَّةٌ، وَزَوَّجَهَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِقِيمَةِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لَهُ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ.
وَلَوْ قَالَ: هِيَ حُرَّةٌ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالتَّزْوِيجِ، وَلَمْ يُزَوِّجْهَا مِنْهُ لَا يُرْجَعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute