هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ مِتّ وَلَمْ أَضْرِبْكَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَمَاتَ الْحَالِفُ وَلَمْ يَضْرِبْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُعْتَقُونَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحِنْثِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَقُونَ وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْكَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَخْرُجَ نَفَسُهُ فَيَحْنَثُ قَبْلَ خُرُوجِ نَفَسِهِ يَعْنِي فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيُعْتَقُونَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ تَرْكُ الضَّرْبِ وَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ حَتَّى أَمُوتَ فَغُلَامُهُ حُرٌّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يُعْتَقْ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْكَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَمُوتَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَلَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ حَنِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُخْبِرْ فُلَانًا بِمَا صَنَعْتَ حَتَّى يَضْرِبَكَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَخْبَرَهُ فَلَمْ يَضْرِبْهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْبِرِّ الْإِخْبَارَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ صَالِحٌ لِلضَّرْبِ جَزَاءً لَهُ عَلَى صُنْعِهِ وَالْإِخْبَارُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ لِلْغَايَةِ فَجُعِلَ لِلْجَزَاءِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَضْرِبَك بَيَانُ الْغَرَضِ بِمَعْنَى لِيَضْرِبَك فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ أَتَسَبَّبْ لِضَرْبِكَ فَإِذَا أَخْبَرَ بِصَنِيعِهِ فَقَدْ سَبَّبَ لِضَرْبِهِ فَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ آتِكَ حَتَّى تُغَدِّيَنِي أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبْكَ حَتَّى تَضْرِبَنِي فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَتَاهُ فَلَمْ يُغَدِّهِ أَوْ ضَرَبَهُ وَلَمْ يَضْرِبْهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ التَّغْدِيَةَ لَا تَصْلُحُ غَايَةً لِلْإِتْيَانِ لِكَوْنِهَا دَاعِيَةً إلَى زِيَادَةِ الْإِتْيَانِ وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ يَدْعُو إلَى زِيَادَةِ الضَّرْبِ لَا إلَى تَرْكِهِ وَإِنْهَائِهِ فَلَا يُجْعَلُ غَايَةً وَيُجْعَلُ جَزَاءً لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَلْزَمْك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ أَوْ حَتَّى تَشْتَكِيَ يَدِي أَوْ حَتَّى تَصِيحَ أَوْ حَتَّى يَشْفَعَ لَك فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَنْهَانِي فُلَانٌ فَتَرَكَ الْمُلَازَمَةَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى حَقُّهُ أَوْ تَرَكَ الضَّرْبَ قَبْلَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى هَهُنَا لِلْغَايَةِ إذْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُمْتَدٌّ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ وَالضَّرْبُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مُؤَثِّرٌ فِي إنْهَاءِ الْمُلَازَمَةِ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُلَازَمَةِ، وَالشَّفَاعَةُ وَالصِّيَاحُ وَالنَّهْيُ وَغَيْرُهَا مُؤَثِّرٌ فِي تَرْكِ الضَّرْبِ وَإِنْهَائِهِ فَصَارَتْ لِلْغَايَةِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا.
وَلَوْ نَوَى بِهِ الْجَزَاءَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا، وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ آتِكَ الْيَوْمَ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك أَوْ إنْ لَمْ آتِك حَتَّى أَضْرِبَكَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَتَغَدَّ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى هَهُنَا لِلْعَطْفِ لِأَنَّ الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَالِفُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ فَأَضْرِبَكَ أَوْ فَأَتَغَدَّى عِنْدَكَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا جَمِيعًا لَا يَبَرُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَتَّى تُغَدِّيَنِي لِأَنَّ هُنَاكَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ عِوَضَ فِعْلِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِعَدَمِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ بِالْيَوْمِ فَأَتَاهُ وَلَمْ يَتَغَدَّ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبِرَّ مَوْجُودٌ بِأَنْ يَأْتِيَهُ وَيَتَغَدَّى أَوْ يَتَغَدَّى مِنْ غَيْرِ إتْيَانٍ وَوَقْتُ الْبِرِّ مُتَّسِعٌ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ.
وَقَالَ إنْ لَمْ آتِكَ فَأَتَغَدَّى عِنْدَك وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ حَيًّا كَذَلِكَ هَذَا وَحَكَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ تَجِيئِينِي اللَّيْلَةَ حَتَّى أُجَامِعَكِ مَرَّتَيْنِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَتْهُ فَجَامَعَهَا مَرَّةً وَأَصْبَحَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَهَذَا وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ تَجِيئِينِي اللَّيْلَةَ فَأُجَامِعْك مَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ فَيَصِيرُ الْمَجِيءُ وَالْمُجَامَعَةُ مَرَّتَيْنِ شَرْطًا لِلْبِرِّ فَإِذَا انْعَدَمَ يَحْنَثُ فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ بِاللَّيْلِ لَا يَحْنَثُ وَلَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ لِأَنَّ وَقْتَ الْبِرِّ يَتَّسِعُ عِنْدَ عَدَمِ التَّوْقِيتِ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ إنْ رَكِبْتُ دَابَّتَكَ فَلَمْ أُعْطِكَ دَابَّتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَالَ هَذَا عَلَى الْفَوْرِ إذَا رَكِبَ دَابَّتَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةَ نَفْسِهِ سَاعَتَئِذٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت دَارَكَ فَلَمْ أَجْلِسْ فِيهَا لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَقِيبَ الشَّرْطِ قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ رَأَيْتُ فُلَانًا فَلَمْ آتِكَ بِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَرَآهُ أَوَّلَ مَا رَآهُ مَعَ الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ إنْ رَأَيْتُهُ فَلَمْ آتِكَ بِهِ فَإِنَّ الْحَالِفَ حَانِثٌ السَّاعَةَ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى أَوَّلِ رُؤْيَةٍ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَنْ هُوَ مَعَهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا قَالَا فِيمَنْ قَالَ لَهُ إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَلَمْ أُعْلِمْكَ بِذَلِكَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَرَآهُ أَوَّلَ مَا رَآهُ مَعَ الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَنْ قَدْ عَلِمَهُ مُحَالٌ.
وَكَذَلِكَ الْإِتْيَانُ بِمَنْ مَعَهُ فَيَصِيرُ كَمَنْ قَالَ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ إنْ لَقِيتُكَ فَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْكَ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ سَاعَةَ يَلْقَاهُ وَإِلَّا حَنِثَ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اسْتَعَرْتُ دَابَّتَكَ فَلَمْ تُعِرْنِي لِأَنَّ هَذَا عَلَى الْمُجَازَاةِ يَدًا بِيَدٍ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَإِنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا فَهَذَا مَتَى مَا كَلَّمَهُ بَرَّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَجِيءَ فِي هَذَا الْبَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute