كَانَتْ طَالِقًا سَاعَةَ سَكَتَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَهَذِهِ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ وَلَوْ دَخَلَتْ هِيَ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ طَلُقَتْ أُخْرَى لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ إنْ تَزَوَّجْتهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالشَّرْطِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ لِإِتْيَانِهِ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ نَصًّا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَمَنْ دَخَلَ الدَّارَ مِنْ عَبِيدِي عَتَقَ الْأَوَّلُ لِلْحَالِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ عَنِيَ أَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِدُخُولِ الدَّارِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِانْعِدَامِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ حَقِيقَةً وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَا بَلْ هَذِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتَا وَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِإِحْدَاهُمَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِشَرْطِ الدُّخُولِ، وَقَوْلُهُ: " لَا " رُجُوعٌ عَنْ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالشَّرْطِ، وَقَوْلَهُ " بَلْ " إثْبَاتُ تَعْلِيقِ طَلَاقِ هَذِهِ بِالشَّرْطِ، وَالرُّجُوعُ لَا يَصِحُّ، وَالْإِثْبَاتُ صَحِيحٌ فَبَقِيَتْ فَيَتَعَلَّقُ طَلَاقُهَا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ لَا بَلْ غُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ غُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ لِكَوْنِهَا مُبْتَدَأً وَخَبَرًا فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرْطِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ لَا بَلْ فُلَانَةُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ أَنَّ امْرَأَتُهُ لَا تَطْلُقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ فُلَانَةُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّرْطِ فَيَتَعَلَّقُ هَذَا أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ فُلَانٌ لِعَبْدٍ لَهُ آخَرَ لَا يَعْتِقُ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ بِكَلَامٍ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ فَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ فَدَخَلَتْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ هَذِهِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ فَأَضْمَرَ فِيهِ الشَّرْطُ فَصَارَ طَلَاقُهَا جَزَاءَ الدُّخُولِ كَطَلَاقِ الْأُولَى، وَالْجَزَاءُ فِي حَقِّ الْأُولَى ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كَذَا فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ وَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ وَعَلَى الْأُولَى ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ يُضْمَرُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ يَسْتَقِلُّ بِإِضْمَارِ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّطْلِيقَاتِ هَهُنَا مُتَفَرِّقَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا بَلْ هَذِهِ طَالِقٌ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ عَلَّقَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً بِالدُّخُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى حَسْبِ التَّعْلِيقِ فَصَارَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مُسْتَدْرِكَةً فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بَلْ هَذِهِ فَكَانَ عَلَى الْكَلَامِ لَا عَلَى الطَّلَاقِ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ نَسَّقَهَا عَلَى الْكَلَامِ فَتَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِكَلَامِ فُلَانٍ، فَإِنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ فَقَوْلُهُ لَا بَلْ هَذِهِ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَسَّقَهَا عَلَى الْجَزَاءِ فَتَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ طَلَاقُ الْأُخْرَى، قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى امْرَأَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَوْصُوفَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا تَطْلُقُ الْمُتَزَوَّجَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي عَمْيَاءَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَ ثُمَّ عَمِيَتْ امْرَأَتُهُ لَا تَطْلُقُ كَذَا هَذَا، وَلَوْ بَدَأَ بِالدُّخُولِ فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا تَزَوَّجَ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ نَوَى مَا تَزَوَّجَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا فَلَيْسَ يَقَعُ عَلَى مَا نَوَى وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ.
قَالَ بِشْرٌ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ تَزَوَّجَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ ثَانِيًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى دُخُولٍ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا عَلَى دُخُولٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُنِ الدُّخُولُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ، فَإِذَا وُجِدَ الدُّخُولُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute