للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الطَّعَامِ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَعَامًا عُرْفًا وَعَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ فَأَكَلَهَا قَالَ لَا يَحْنَثُ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حَانِثٌ فِي يَمِينِهِ وَإِثْمُهُ مَوْضُوعٌ.

وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةٌ، وَالرُّخْصَةُ أَثَرُهَا فِي تَغْيِيرِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ لَا فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ كَالْمُكْرَهِ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْمَيْتَةَ حَالَ الْمَخْمَصَةِ مُبَاحَةٌ مُطْلَقًا لَا حَظْرَ فِيهَا بِوَجْهٍ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ، وَأَثَرُ الرُّخْصَةِ فِي تَغْيِيرِ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ حَتَّى مَاتَ يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ بَقِيَتْ الْحُرْمَةُ لَمْ تَثْبُتْ الْمُؤَاخَذَةُ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ أَوْ الْإِكْرَاهِ.

وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ: سَأَلْتُ أَسَدَ بْنَ عُمَرَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَأَكَلَ لَحْمَ قِرْدٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ حِدَأَةٍ أَوْ غُرَابٍ قَالَ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ ذَلِكَ فَيَحْنَثَ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْحَرَامِ هُوَ مَا تَثْبُتُ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَحُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ.

وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ: سَأَلْت الْحَسَنَ فَقَالَ: هَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا بِهِ.

وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَرَامًا قَالَ هَذَا عَلَى الزِّنَا لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَهُوَ الزِّنَا، وَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الزِّنَا فِي الْعُرْفِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا فَهُوَ عَلَى الْقُبْلَةِ الْحَرَامِ وَمَا أَشْبَهَهَا،.

ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ امْرَأَةً وَطْئًا حَرَامًا فَوَطِئَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِعَارِضِ الْحَيْضِ وَالظِّهَارِ وَمُطْلَقُ التَّحْرِيمِ لَا يَقَعُ عَلَى التَّحْرِيمِ الْعَارِضِ.

ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ غَصَبَهُ مِنْ إنْسَانٍ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْحَرَامِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةُ هَذَا لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَلَوْ غَصَبَ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ بِعُرْفِ النَّاسِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ مَعَ آخَرَ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شِرَاءَهُ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ مَلَكَهُ فُلَانٌ لِأَنَّ بَعْضَ الطَّعَامِ طَعَامٌ حَقِيقَةً وَيُسَمَّى طَعَامًا عُرْفًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ بَعْضَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا يَمْلِكُهُ فُلَانٌ أَوْ يَشْتَرِيهِ فُلَانٌ فَلَبِسَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ مَعَ آخَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا فَالْإِدَامُ كُلُّ مَا يُضْطَبَعُ بِهِ مَعَ الْخُبْزِ عَادَةً كَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا لَا يُضْطَبَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ مِثْلُ اللَّحْمِ وَالشَّوَى وَالْجُبْنِ وَالْبِيضِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ كُلَّ مَا يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ فَهُوَ إدَامٌ مِثْلُ اللَّحْمِ وَالشَّوَى وَالْبَيْضِ وَالْجُبْنِ.

وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوْزَ الْيَابِسَ إدَامٌ، وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ وَسَيِّدُ رَيَاحِينِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفَاغِيَةُ وَهِيَ وَرْدُ الْحِنَّاءِ» وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الِائْتِدَامِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ.

قَالَ النَّبِيُّ لِمُغِيرَةَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً: «لَوْ نَظَرْتَ إلَيْهَا لَكَانَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يَكُونَ بَيْنَكُمَا الْمُوَافَقَةُ، وَمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الْخُبْزِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْأَكْلِ ظَاهِرٌ فَكَانَتْ إدَامًا، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَأْتَدِمُونَ بِهَا عُرْفًا وَعَادَةً، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَعْنَى الْإِدَامِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالْكَمَالُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا بَلْ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَادَةً.

وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَافَقَةِ، وَمَا لَا يُضْطَبَعُ يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ فَيَخْتَلُّ مَعْنَى الْإِدَامِ فِيهِ، وَاللَّحْمُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ عَادَةً مَعَ أَنَّ مِنْ سُكَّانِ الْبَرَارِيِّ مَنْ لَا يَتَغَذَّى إلَّا بِاللَّحْمِ وَبِهِ تَبَيَّنَّ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْإِدَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ.

وَالْبِطِّيخُ لَيْسَ بِإِدَامٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الِاضْطِبَاعُ بِهِ وَلَا يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ عَادَةً.

وَكَذَا الْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ فِي قَوْلِهِمْ.

أَلَا تَرَى أَنَّ آكِلَهُ لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا؟ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا مَأْدُومًا؟ فَقَالَ الْخُبْزُ الْمَأْدُومُ الَّذِي يُثْرَدُ ثَرْدًا يَعْنِي فِي الْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ ثَرَدَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِلْحٍ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَأْدُومًا لِأَنَّ مَنْ أَكَلَ خُبْزًا بِمَاءٍ لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا فِي الْعُرْفِ.

وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا يَعْرِفُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ فِي كَلَامِهِمْ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>