عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَ فُلَانَةَ أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ ابْنَ فُلَانٍ أَوْ أَخ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا تَقَعُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَالصَّدَاقَةِ وَالْوَلَدِ فَفَرَّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي النَّوَادِرِ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْوُجُودَ حَقِيقَةً إذْ الْمَوْجُودُ يُضَافُ لَا الْمَعْدُومُ فَلَا تَقَعُ يَمِينُهُ إلَّا عَلَى الْمَوْجُودِ يَوْمَ الْحَلِفِ وَلِهَذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَوْجُودِ فِي إحْدَى الْإِضَافَتَيْنِ وَهِيَ إضَافَةُ النِّسْبَةِ كَذَا فِي الْأُخْرَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ أَنَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَذْكُورٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا عَنْ الْجِهَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَيْهِ بِمِلْكٍ كَانَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَوْ بِمِلْكٍ اُسْتُحْدِثَ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ عِنْدَ الْفِعْلِ فَيَحْنَثُ وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ قَامَ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَهِيَ أَنَّ أَعْيَانَهُمْ مَقْصُودَةٌ بِالْيَمِينِ لِأَجْلِهِمْ عُرْفًا وَعَادَةً لِمَا تَبَيَّنَ فَانْعَقَدَتْ عَلَى الْوُجُودِ وَصَارَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُمْ بِأَسَامِيهِمْ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَلَا يُقْصَدُ بِالْيَمِينِ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَالِكٍ فَيَزُولُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ ادَّعَى تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْعُرْفِ.
وَقَالَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ فِي الدَّارِ وَنَحْوِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ النُّدْرَةِ حَتَّى يُقَالَ الدَّارُ هِيَ أَوَّلُ مَا يُشْتَرَى وَآخِرُ مَا يُبَاعُ وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالْعُرْفِ جَائِزٌ فَتَقْيِيدُ الْيَمِينِ فِيهَا بِالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَلِفِ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ اسْتِحْدَاثَ الْمِلْكِ فِيهَا مُعْتَادٌ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ دَعْوَى الْعُرْفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِعَادَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ كُلَّ إضَافَةٍ تُقَدَّرُ فِيهَا اللَّامُ فَكَانَ الْفَصْلَانِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الِاخْتِلَافِ ثُمَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ الْحَالِفِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ فَعَلَ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَأَمَّا) فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ.
وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَحَصَلَ تَعْرِيفُ الْمَوْجُودِ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْعُرْفِ لَا بِالْإِضَافَةِ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ تَكْلِيمِ امْرَأَةٍ لِمَعْنًى فِيهَا وَقَدْ يَمْنَعُ مِنْ تَكْلِيمِهَا لِمَعْنًى فِي زَوْجِهَا فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ مَعَ لِاحْتِمَالِ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالْإِشَارَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ لَا أَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ هَذَا فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَكَلَّمَ أَوْ دَخَلَ أَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ خَاصَّةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ مَا دَامَتْ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْإِشَارَةَ وَالْإِضَافَةَ جَمِيعًا وَقْتَ الْفِعْلِ لِلْحِنْثِ فَمَا لَمْ يُوجَدَا لَا يَحْنَثُ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْإِشَارَةَ دُونَ الْإِضَافَةِ وَأَمَّا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْإِضَافَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ لِلْحِنْثِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا فَبَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ فَكَلَّمَ يَحْنَثُ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِضَافَةَ وَالْإِشَارَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا تُخَصِّصُ الْعَيْنَ وَتَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فَتَلْغُو الْإِضَافَةُ كَمَا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ الْحَالِفَ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ لَزِمَ اعْتِبَارُهُمَا مَا أَمْكَنَ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ مَا أَمْكَنَ وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ هَهُنَا مَعَ وُجُودِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ الْمَحْلُوفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ شَيْءٍ مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ إلَّا لِدَاعٍ يَدْعُوهُ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْأَعْيَانُ لَا تُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي الْمَالِكِ أَمَّا الدَّارُ وَنَحْوُهَا فَلَا شَكَّ فِيهِ وَكَذَا الْعَبْدُ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِخَسَّتِهِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ مَوْلَاهُ وَقَدْ زَالَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَالِكِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَهْمَا دَامَتْ لِفُلَانٍ مِلْكًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ لِأَنَّهُمَا يُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ لِأَنْفُسِهِمَا فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِذَاتَيْهِمَا وَالذَّاتُ لَا تَتَبَدَّلُ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمُعَادَاةِ فَيَحْنَثُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا صَارَ شَيْخًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute