يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْهَا بِشَهْرٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُطَلِّقُ الْحَامِلَ لِلسُّنَّةِ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي الْأَصْلِ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ﵃ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُمْتَدَّ طُهْرُهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ: أَنَّ إبَاحَةَ التَّفْرِيقِ فِي الشَّرْعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَجَدُّدِ فُصُولِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ كُلَّ قُرْءٍ فِي ذَوَاتِ الْإِقْرَاءِ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ وَكُلَّ شَهْرٍ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ، وَمُدَّةُ الْحَمْلِ كُلُّهَا فَصْلٌ وَاحِدٌ مِنْ الْعِدَّةِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِبْرَاءِ بِهِ فِي حَقِّ الْحَامِلِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ فَلَا يُفْصَلُ بِالشَّهْرِ وَلِهَذَا لَمْ يُفْصَلْ فِي الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا بِالشَّهْرِ كَذَا هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَوْله تَعَالَى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] شَرَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَاتٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْحَامِلِ وَالْحَائِلِ أَمَّا شَرْعِيَّةُ طَلْقَةٍ وَطَلْقَةٍ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] لِأَنَّ مَعْنَاهُ دَفْعَتَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرْعِيَّةُ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ ﷿: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] أَوْ بِقَوْلِهِ ﷿: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَيُفْصَلُ بَيْنَ طَلَاقَيْهَا بِشَهْرٍ كَالْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْفَصْلَ هُنَاكَ بِشَهْرٍ لِكَوْنِ الشَّهْرِ زَمَانَ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ زَمَانَ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْحَامِلِ فَيَفْصِلُ.
فَأَمَّا كَوْنُ الشَّهْرِ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا أَثَرَ لَهُ فَكَانَ مِنْ أَوْصَافِ الْوُجُودِ لَا مِنْ أَوْصَافِ التَّأْثِيرِ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ مَا ذَكَرْنَا فَيَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي الْأَصْلِ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ طَلَاقِ الْحَامِلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا» وَبِهِ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَأَمَّا الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا فَإِنَّمَا لَا تَطْلُقُ لِلسَّنَةِ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا قَدْ رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ شَابَّةٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ إلَّا أَنَّهُ امْتَدَّ طُهْرُهَا لِدَاءٍ فِيهَا يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ سَاعَةً فَسَاعَةً فَبَقِيَ أَحْكَامُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ ذَوَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُطَلَّقُ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِلسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ أَبَانَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ الطُّهْرَ طُهْرٌ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ سُنَّةً كَمَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا فَقَدْ أَبْطَلَ حُكْمَ الطَّلَاقِ وَجَعَلَ الطَّلَاقَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَلِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى الْحَالَةِ الْأَوْلَى بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى كَمَا إذَا أَبَانَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا رَاجَعَهَا بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِاللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ فَقَالَ لَهَا فِي حَالِ الْمُلَامَسَةِ بِشَهْوَةٍ بِأَنْ كَانَ أَخَذَ بِيَدِهَا لِشَهْوَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَذَلِكَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَى التَّعَاقُبِ لِلسُّنَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فَتَقَعُ التَّطْلِيقَةُ الْأَوْلَى وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا بِالْإِمْسَاكِ عَنْ شَهْوَةٍ ثُمَّ تَقَعُ الْأُخْرَى وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْإِمْسَاكِ ثُمَّ تَقَعُ الثَّالِثَةُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَالطَّلَاقَانِ الْبَاقِيَانِ إنَّمَا يَقَعَانِ فِي الطُّهْرَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَهَذَا إذَا رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ،.
فَأَمَّا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ جَامَعَهَا حَتَّى صَارَ مُرَاجِعًا لَهَا ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ قَدْ بَطَلَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَبَقِيَ ذَلِكَ الطُّهْرُ طُهْرًا مُبْتَدَأً جَامَعَهَا فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ هَذَا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: هَذَا طُهْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الرَّجْعَةَ أَبْطَلَتْ حُكْمَ الطَّلَاقِ وَأَلْحَقَتْهُ بِالْعَدَمِ وَكَرَاهَةُ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ لِمَكَانِ النَّدَمِ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ فَإِذَا طَلَّقَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَمْلِ لَا يَنْدَمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ وَلَكِنَّهُ جَامَعَهَا فِيهِ فَحَمَلَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.
وَلَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ تَطْلِيقَةً ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute