وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: قَدْ حِضْت، إنْ صَدَّقَهُمَا الزَّوْجُ طَلُقَتَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا بِوُجُودِ الْحَيْضِ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمَا مَعَ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضُهَا لَا حَيْضُ صَاحِبَتِهَا، وَحَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ شَطْرُ الشَّرْطِ، وَطَلَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِوُجُودِ حَيْضِهِمَا جَمِيعًا، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَنْزِلُ بِوُجُودِ بَعْضِ الشَّرْطِ وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى تَطْلُقُ الْمُكَذَّبَةُ وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ حَيْضَ الْمُكَذَّبَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّهَا بِإِخْبَارِهَا، وَحَيْضَ الْمُصَدَّقَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ أَيْضًا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَثَبَتَ الْحَيْضَتَانِ جَمِيعًا فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ فَوُجِدَ كُلُّ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ إلَّا حَيْضُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهَا حَيْضُ الْمُكَذَّبَةِ لِتَكْذِيبِ الزَّوْجِ الْمُكَذَّبَةَ فِي ثُبُوتِ حَيْضِهَا عِنْدَ الْمُصَدَّقَةِ فَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ شَطْرَ الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إذَا حِضْتُمَا حَيْضَتَيْنِ أَوْ إذَا وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ، فَهَذَا وَقَوْلُهُ إذَا حِضْتُمَا أَوْ وَلَدْتُمَا سَوَاءٌ فَمَا لَمْ يَحِيضَا جَمِيعًا أَوْ يَلِدَا جَمِيعًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ حَيْضَتَيْنِ مِنْهُمَا وَوِلَادَةَ وَلَدَيْنِ مِنْهُمَا يَكُونُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ أَنْ تَحِيضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضَةً وَتَلِدَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدًا.
وَكَذَا إذَا قَالَ: إذَا دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ أَوْ كَلَّمْتُمَا فُلَانًا أَوْ لَبِسْتُمَا هَذَا الثَّوْبَ أَوْ رَكِبْتُمَا هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ أَكَلْتُمَا هَذَا الطَّعَامَ أَوْ شَرِبْتُمَا هَذَا الشَّرَابَ؛ فَمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا جَمِيعًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ مِنْهُمَا فَيُعْمَلُ بِحَقِيقَةِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ ثُمَّ التَّعْلِيقُ فِي الْمُلْكِ كَمَا يَصِحُّ بِشَرْطِ الْوُجُودِ يَصِحُّ بِشَرْطِ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَامَةٌ مَحْضَةٌ وَالْعَدَمُ يَصْلُحُ عِلْمًا مَحْضًا فَيَصْلُحُ شَرْطًا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وَقَّتَ يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ انْتِهَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ أَطْلَقَ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، بَيَانُ ذَلِكَ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَالْإِتْيَانِ مُطْلَقًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُثْبِتْهُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّطْلِيقِ مُطْلَقًا، وَالْعَدَمُ الْمُطْلَقُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك وَإِذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك فَإِنْ أَرَادَ بِإِذَا إنْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ نَوَى بِهِ مَتَى يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَسَكَتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ بِمَعْنَى مَتَى (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير: ١] وَ ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: ١] وَ ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ [الانشقاق: ١] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى مَتَى، وَلَوْ قَالَ: مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك يَقَعُ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الْفَرَاغِ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ إذَا سَكَتَ كَذَا هَذَا، وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ قَالَ: مَتَى شِئْت، وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلشَّرْطِ لَاقْتُصِرَتْ الْمَشِيئَةُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَمَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ، تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الشَّرْطُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى … وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَزَمَ مَا بَعْدَهُ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ بِهَا الْوَقْتَ يَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَسَكَتَ كَمَا فِي قَوْلِهِ مَتَى.
وَإِنْ قَالَ: أُرِيدُ بِهَا الشَّرْطَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي كَلِمَةِ إنْ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا يَقَعُ مَعَ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا لَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَتْ الْمَشِيئَةُ فِي يَدِهَا بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت، وَأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ وَلِلشَّرْطِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الشَّرْطُ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ شِئْت.
وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْوَقْتُ لَا يَبْطُلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: مَتَى شِئْت؛ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْبُطْلَانِ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَا يَبْطُلُ مَعَ الشَّكِّ فَاطَّرَدَ كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَعْنَى بِحَمْدِ اللَّهِ ﷾.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا سَنَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَتْ السُّنَّةُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا أَوْ يُكَلِّمَهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْإِيلَاءُ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute