الْحَدَثِ، قَبْلَ الْمَسْحِ، تَحَوَّلَتْ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ السَّفَرِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ الْمَسْحِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَحَوَّلُ، وَلَكِنَّهُ يَمْسَحُ تَمَامَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، وَيَنْزِعُ خُفَّيْهِ، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ مُدَّةَ السَّفَرِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ ﷺ «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا، وَلَيْلَةً» ، وَلَمْ يُفَصِّلْ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ ﷺ «، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيَهَا» ، وَهَذَا مُسَافِرٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُقِيمَ وَقَدْ بَطَلَتْ الْإِقَامَةُ بِالسَّفَرِ، هَذَا إذَا كَانَ مُقِيمًا فَسَافَرَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَأَقَامَ فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ السَّفَرِ نَزَعَ خُفَّيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ مُدَّةَ السَّفَرِ فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ تَمَامِ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، فَكَذَلِكَ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ لَمَسَحَ، وَهُوَ مُقِيمٌ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ يَوْمًا، وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ مُقِيمٌ فَيُتِمُّ مُدَّةَ الْمُقِيمِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ الْمَسْحِ بِيَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ، وَبِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيهَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، فِي حَقِّ الْأَصِحَّاءِ.
فَأَمَّا فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ، كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ، وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَمَنْ بِمِثْلِ حَالِهِمَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ زُفَرَ وَأَمَّا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ فَيَخْتَلِفُ الْجَوَابُ، إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ إذَا تَوَضَّأَ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ كَانَ الدَّمُ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ وَأَمَّا إنْ كَانَ سَائِلًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ، سَائِلًا وَقْتَ اللُّبْسِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ سَائِلًا وَقْتَ الْوُضُوءِ، مُنْقَطِعًا وَقْتَ اللُّبْسِ، فَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالَيْنِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصِحَّاءِ؛ لِأَنَّ السَّيَلَانَ وُجِدَ عَقِيبَ اللُّبْسِ، فَكَانَ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَمَنَعَ الْخُفُّ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمَيْنِ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً.
وَأَمَّا فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ نَزَعَ خُفَّيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَسْتَكْمِلُ مُدَّةَ الْمَسْحِ كَالصَّحِيحِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ طَهَارَةَ صَاحِبِ الْعُذْرِ طَهَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ السَّيَلَانَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهَا، فَحَصَلَ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَأُلْحِقَتْ بِطَهَارَةِ الْأَصِحَّاءِ.
(وَلَنَا) أَنَّ السَّيَلَانَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فِي الْوَقْتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ طَهَارَتَهُ تُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْحَدَثُ، فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ صَارَ مُحْدِثًا مِنْ وَقْتِ السَّيَلَانِ.
وَالسَّيَلَانُ كَانَ سَابِقًا عَلَى لُبْسِ الْخُفِّ، وَمُقَارِنًا لَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ لَا عَلَى الطَّهَارَةِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّيَلَانَ ثَمَّةَ وُجِدَ عَقِيبَ اللُّبْسِ، فَكَانَ اللُّبْسُ حَاصِلًا عَنْ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ.
(وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الْمَسْحِ) فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَاسِحِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَمْسُوحِ أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَاسِحِ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لَابِسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عِنْدَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ اللُّبْسِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ اللُّبْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَوَّلًا، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عِنْدَنَا، لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ وَقْتَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَهُ شَرْطٌ، فَكَانَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأُخَرِ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، فَلَمْ تُوجَدْ الطَّهَارَةُ وَقْتَ اللُّبْسِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ فَرَتَّبَ، لَكِنَّهُ غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ الْخُفَّ، قِيلَ: " لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، وَإِنْ وُجِدَ التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ " لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ لُبْسِهِمَا، حَتَّى لَوْ نَزَعَ الْخُفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ لَبِسَهُ جَازَ الْمَسْحُ، لِحُصُولِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْمَسْحَ شُرِعَ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْمَسْحِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْحَدَثِ قَبْلَ اللُّبْسِ فَلَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْغَسْلُ، وَكَذَا لَا حَاجَةَ بَعْدَ اللُّبْسِ قَبْلَ الْحَدَثِ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ، فَكَانَ الشَّرْطُ كَمَالَ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ مُحْدِثٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَخَاضَ الْمَاءَ حَتَّى أَصَابَ الْمَاءُ رِجْلَيْهِ فِي دَاخِلِ الْخُفِّ، ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَهُوَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ اللُّبْسِ، وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ مُحْدِثٌ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَمَّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَنَا فَلِانْعِدَامِ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِانْعِدَامِهَا عِنْدَ اللُّبْسِ.
وَلَوْ أَرَادَ