للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؛ فَالْأَوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يَنْزِلَانِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيقَاعٌ صَحِيحٌ لِمُصَادَفَتِهِ مَحِلَّهُ، وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَالْأَوَّلُ يَنْزِلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ تَامٌّ صَادَفَ مَحِلَّهُ، وَيَلْغُو الثَّانِي وَالثَّالِثُ بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِالْأُولَى فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِلْحَالِ وَيَتَعَلَّقُ الثَّالِثُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيقَاعٌ تَامٌّ لِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَقَدْ صَادَفَ مَحِلَّهُ فَوَقَعَ لِلْحَالِ، وَالثَّالِثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ فَتَعَلَّقَ بِهِ لِحُصُولِ التَّعْلِيقِ حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ فَصَادَفَ التَّعْلِيقُ مَحِلَّهُ فَصَحَّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

وَإِنْ كَرَّرَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَإِنْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقًا لِوُجُودِ حُرُوفٍ مَوْضُوعَةٍ لِلتَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي وَالْفَاءَ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّعْقِيبِ.

وَوُقُوعُ الطَّلْقَةِ الْأَوْلَى يَمْنَعُ مِنْ تَرْتِيبِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَقَعُ الثَّلَاثُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَكَانَ هَذَا إيقَاعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا.

(وَلَنَا) أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، وَالْجَمْعُ الْمُطْلَقُ فِي الْوُجُودِ لَا يُتَصَوَّرُ، بَلْ يَكُونُ وُجُودُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَضْعَيْنِ عَيْنًا، إمَّا الْقِرَانُ وَإِمَّا التَّرْتِيبُ فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِصِفَةِ التَّرْتِيبِ لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ بِصِفَةِ الْقِرَانِ يَقَعُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ فَإِمَّا أَنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ عَلَى الْجَزَاءِ وَإِمَّا أَنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَقَعَ شَيْءٌ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ، فَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّيّ فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ وَلَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ قَدِمَ الظِّهَارَ عَلَى الطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، كَمَا إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ جَمَعَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ - وَهُوَ الْوَاوُ - وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لُغَةً وَشَرْعًا: أَمَّا اللُّغَةُ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ وَزَيْدٌ، وَقَوْلُهُ: جَاءَنِي الزَّيْدُونَ سَوَاءٌ.

وَأَمَّا الشَّرْعُ فَإِنَّ مَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ.

وَكَذَا الْفُضُولِيُّ إذَا زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَفُضُولِيٌّ آخَرُ زَوَّجَ أُخْتَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَبَلَغَهُ النِّكَاحَانِ فَقَالَ أَجَزْتُ نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ، بَطَلَ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَزْت نِكَاحَهُمَا فَثَبَتَ أَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلَوْ جَمَعَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَوَقَعَ الثَّلَاثُ سَوَاءً دَخَلَتْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ كَذَا هَذَا، وَلَا يَلْزَمُ التَّنْجِيزُ فَإِنَّهُ لَوْ ذَكَرَ لَفْظَ الْجَمْعِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلَوْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ وَالْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إذَا صَحَّ الْعَطْفُ وَالْجَمْعُ فِي التَّنْجِيزِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَامْتَنَعَ وُقُوعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِانْعِدَامِ مَحِلِّ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ قَدْ صَحَّ، وَصَحَّ التَّكَلُّمُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ بَعْدَ التَّعْلِيقِ فَصَحَّ التَّكَلُّمُ بِهِ، وَإِذَا صَحَّ التَّكَلُّمُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ صَارَ التَّكَلُّمُ بِهِ كَالتَّكَلُّمِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ وَلِهَذَا وَقَعَ الثَّلَاثُ إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ كَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إيقَاعُ الثَّلَاثِ مُتَفَرِّقًا فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ فَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُتَفَرِّقًا كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا أُخْرَى.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيقَاعَ إنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا يَكُونُ بِالْوُقُوعِ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى حَسَبِ الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>