للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظَةِ الْخُلْعِ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ يَتِمُّ.

إذَا كَانَ الْبَدَلُ مَعْلُومًا مَذْكُورًا بِلَا خِلَافٍ بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَقُولُ: خَلَعْتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مَذْكُورًا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ: خَلَعْتُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ خَلَعْت، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْخُلْعِ بِبَدَلٍ مُتَقَوِّمٍ تَوْكِيلٌ لَهَا.

وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى الْخُلْعَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ كَانَ هَذَا النَّوْعُ مُعَاوَضَةً - وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْبَيْعِ -؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِلتَّنَافِي فِي الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَلَا تَنَافِيَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ فِي بَابِ الْخُلْعِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ؛ وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَمْرِ بِالْخُلْعِ تَوْكِيلًا لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ فَلَوْ تَمَّ الْعَقْدُ بِالْوَاحِدِ لَصَارَ الْوَاحِدُ مُسْتَزِيدًا وَمُسْتَنْقِصًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا: أَخَلَعْتِ نَفْسَك مِنَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَتْ: خَلَعْتُ، اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَتِمُّ الْعَقْدُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ نَوَى بِهِ التَّحْقِيقَ يَتِمُّ وَإِنْ نَوَى بِهِ السَّوْمَ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَخَلَعْت نَفْسَك مِنِّي؟ يَحْتَمِلُ السَّوْمَ، بَلْ ظَاهِرُهُ السَّوْمُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَطُلِبَ مِنْكِ أَنْ تَخْلَعِي نَفْسَك مِنَى فَلَا يُصْرَفُ إلَى التَّحْقِيقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِذَا نَوَى يَصِيرُ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ وَالْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا: اشْتَرِي نَفْسَك مِنِّي؛ فَإِنْ ذَكَرَ بَدَلًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَتْ اشْتَرَيْتُ، اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَتِمُّ الْعَقْدُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتِمُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ بَدَلًا مَعْلُومًا صَحَّ الْأَمْرُ وَالتَّوْكِيلُ وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْخُلْعِ لِمَا بَيَّنَّا.

وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: خويشتن أزمن نجر بهزاردم يابكابين وهر نيه وعدت لَهُ وَاجِب شودا ازبس طَلَاق فَقَالَتْ: خريدم فَهُوَ عَلَى هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ - بِأَنْ قَالَ لَهَا: اشْتَرِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْتُ - لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ: خويشتن ارمننجر فَقَالَتْ: خريدم وَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ فروختم لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ وَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ فروختم فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لَهَا بِلَفْظَةِ الْخُلْعِ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنَى وَنَوَى الطَّلَاقَ فَقَالَتْ: خَلَعْت أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَهَا اخْلَعِي مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ أَمْرٌ لَهَا بِالطَّلَاقِ بِلَفْظَةِ الْخُلْعِ وَإِنَّهَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَتَوْكِيلِهِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَالْأَمْرُ فَيُتَوَلَّى الْخُلْعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَوْلُهُ لَهَا: اشْتَرِي نَفْسَكِ خويشتن ازمننجر أَمْرٌ بِالْخُلْعِ بِعِوَضٍ، وَالْعِوَضُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ.

وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: ابْتَعْتِ نَفْسَك مِنِّي؟ ، فَإِنْ ذَكَرَ بَدَلًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ: بِمَهْرِك وَنَفَقَةِ عِدَّتِك فَقَالَتْ: ابْتَعْتُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَتِمُّ الْعَقْدُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتِمُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: يَتِمُّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ دُونَ الْمُسَاوَمَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي لَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْأَمْرِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهَا بِالْأَمْرِ صَارَتْ وَكِيلَةً إذْ الْأَمْرُ بِالْخُلْعِ تَوْكِيلٌ بِهِ - إذَا كَانَ الْبَدَلُ مُقَدَّرًا - وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْخُلْعِ وَلَمْ يُوجَدْ الْأَمْرُ هَهُنَا فَلَمْ يُوجَدْ التَّوْكِيلُ فَيَبْقَى الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مُسْتَزِيدًا وَمُسْتَنْقِصًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ بِأَنْ قَالَ لَهَا: ابْتَعْتِ نَفْسَكِ مِنِّي؟ فَقَالَتْ: ابْتَعْت لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ فِي الْأَمْرِ فَلَأَنْ لَا يَتِمَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَبُولُ مِنْهَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ لِأَنَّهَا لَوْ قَبِلَتْ بِنَفْسِهَا يَلْزَمُهَا الْبَدَلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْلِكَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِإِنْسَانٍ شَيْئًا، عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْأَجْنَبِيَّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ بِمُقَابَلَةِ الْبَدَلِ شَيْئًا وَالْأَجْنَبِيُّ لَا، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُهُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا قَالَ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك أَلْفًا أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفٍ هُوَ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ، أَوْ عَبْدِي هَذَا، أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَفَعَلَ صَحَّ الْخُلْعُ وَاسْتَحَقَّ الْمَالَ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وُقِفَ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ.

وَلَوْ خَلَعَ ابْنَتَهُ - وَهِيَ صَغِيرَةٌ - عَلَى مَا لِهَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ رَأْسًا أَوْ لَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْبَدَلُ فَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>