للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا طَلَّقَهُمَا وَبَوَّأَهُمَا الْمَوْلَى بَيْتًا أَوْ لَمْ يُبَوِّئْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَمَةٌ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ أُعْتِقَتْ أَمُّ الْوَلَدِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْبُوسَةٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا كَعِدَّةِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا، هَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ النِّكَاحِ وَلَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَكَذَا فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ، هَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى كَيْفَمَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ كَالْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَامْرَأَةِ الْعِنِّينِ إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ كَالْمُسْلِمَةِ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ قَالُوا: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَهَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ مُسْلِمَةٌ مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَتَجِبُ حَقًّا لَهَا عَلَى الْخُلُوصِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَدْ أَبْطَلَتْ حَقَّ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ وَامْرَأَةِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ مِنْ قِبَلِهِمَا بِحَقٍّ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ، هَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ عَنْ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ فِي مَالِ الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا فَإِنَّ النَّفَقَةَ فِي بَابِ النِّكَاحِ لَا تَجِبُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَالْمَهْرِ وَإِنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ مُرُورِ الزَّمَانِ، فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ انْتَقَلَ مِلْكُ أَمْوَالِهِ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجِبَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي مَالِ الْوَرَثَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ الْكَبِيرَةَ لَمَّا لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَهَؤُلَاءِ أَوْلَى، وَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي الْوَفَاةِ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُسْتَحَقَّانِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ فَبِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا ثُبُوتُ النَّسَبِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأَصْلِ:.

أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ فِيهِ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْمُدَّةِ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ مِنْ الْحُجَّةِ أَيْ يَظْهَرُ بِهِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثِينَ شَهْرًا مُدَّةَ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ جَمِيعًا ثُمَّ جَعَلَ الْفِصَالَ وَهُوَ الْفِطَامُ فِي عَامَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] فَيَبْقَى لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ رَوَى أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَمَّ عُثْمَانُ بِرَجْمِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَا إنَّهُ لَوْ خَاصَمْتُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ لَخَصَمْتُكُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] وَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَدَلَّ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَهَا سَنَتَانِ عِنْدَنَا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «لَا يَبْقَى الْوَلَدُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَابٌ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ، وَلَا يُظَنُّ بِهَا أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ جُزَافًا وَتَخْمِينًا فَتَعَيَّنَ السَّمَاعُ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ لَمْ تَلْزَمْهَا الْعِدَّةُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا فَنَسَبُ وَلَدِهَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ إلَّا إذَا عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَنَسَبُ وَلَدِهَا يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ إلَّا إذَا عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ النِّكَاحِ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ فَكَانَ النِّكَاحُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ زَائِلًا بِيَقِينٍ، وَمَا زَالَ بِيَقِينٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ وُجِدَ فِي حَالِ الْفِرَاشِ وَأَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ إذْ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِدُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ مِنْ وَطْءٍ وُجِدَ عَلَى فِرَاشِ الزَّوْجِ، وَكَوْنُ الْعُلُوقِ فِي فِرَاشِهِ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يُسْتَيْقَنْ بِكَوْنِهِ مَوْلُودًا عَلَى الْفِرَاشِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالْفِرَاشُ كَانَ زَائِلًا بِيَقِينٍ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُول بِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>