للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَارَ طَلَاقَ إحْدَاهُمَا فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِالْكَلَامِ السَّابِقِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ الْوُقُوعِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِهِ نَصًّا فَقَالَ إنْ اخْتَرْت طَلَاقَ إحْدَاكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ.

وَيُقَالُ إنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَسَائِلُ مُتَعَارِضَةٌ فِي الظَّاهِرِ بَعْضُهَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَبَعْضُهَا يَنْصُرُ الْقَوْلَ الثَّانِي وَنَحْنُ نُشِيرُ إلَى ذَلِكَ هَهُنَا وَنَذْكُرُ وَجْهَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَتَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَتَخْرِيجَ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَيَانُ إظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَسَائِلَ تُخَرَّجُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ بَلْ هُوَ مُحَالٌ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ.

أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَنَقُولُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْإِبْهَامَ مَلَكَ التَّعْيِينَ.

وَلَوْ خَاصَمَتَاهُ وَاسْتَعْدَتَا عَلَيْهِ الْقَاضِي حَتَّى يُبِينَ، أَعْدَى عَلَيْهِ وَكَلَّفَهُ الْبَيَانَ.

وَلَوْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقًّا إمَّا اسْتِيفَاءُ حُقُوقِ النِّكَاحِ مِنْهُ وَإِمَّا التَّوَصُّلُ إلَى زَوْجٍ آخَرَ، وَحَقُّ الْإِنْسَانِ يَجِبُ إيفَاؤُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ وَإِذَا امْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِيفَاءِ وَذَلِكَ بِالْبَيَانِ هَهُنَا فَكَانَ الْبَيَانُ حَقَّهَا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى حَقِّهَا، وَوَسِيلَةُ حَقِّ الْإِنْسَانِ حَقُّهُ، وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْبَيَانِ لَمَا أُجْبِرَ إذْ الْحَالِفُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَحْصِيلِ الشَّرْطِ وَلِأَنَّ الْبَيَانَ إظْهَارُ الثَّابِتِ، وَإِظْهَارُ الثَّابِتِ وَلَا ثَابِتَ مُحَالٌ، ثُمَّ الْبَيَانُ نَوْعَانِ نَصٌّ وَدَلَالَةٌ أَمَّا النَّصُّ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ إيَّاهَا عَنَيْت أَوْ نَوَيْت أَوْ أَرَدْت أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى هَذَا.

وَلَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا عَيْنًا بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت بِهِ بَيَانَ الطَّلَاقِ الَّذِي لَزِمَنِي لَا طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَحْتَمِلُ الْبَيَانَ؛ لِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي الشَّرْعِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ فَيَحْتَمِلُ الْبَيَانَ إذْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ وَهَذَا أَيْضًا يَنْصُرُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي إرَادَةِ الْبَيَانِ لِلْوَاقِعِ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَنَحْوُ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ يَقُولَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيَانِ نَحْوُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ يُظَاهِرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَكَانَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ تَعْيِينًا لِهَذِهِ بِالنِّكَاحِ.

وَإِذَا تَعَيَّنَتْ هِيَ لِلنِّكَاحِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْمُزَاحِمِ.

وَإِذَا كُنَّ أَرْبَعًا أَوْ ثَلَاثًا تَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَاتُ لِبَيَانِ الطَّلَاقِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فَتَتَعَيَّنُ الرَّابِعَةُ لِلطَّلَاقِ أَوْ يَقُولَ هَذِهِ مَنْكُوحَةٌ وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ إنْ كُنَّ أَرْبَعًا وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا تَتَعَيَّنُ الثَّالِثَةُ لِلطَّلَاقِ بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ أَوْ بِقَوْلِهِ لِلثَّانِيَةِ: هَذِهِ مَنْكُوحَةٌ.

وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيَانِ طَلُقَتْ الْبَاقِيَةُ؛ لِأَنَّ الَّتِي مَاتَتْ خَرَجَتْ عَنْ احْتِمَالِ الْبَيَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَ الْبَيَانِ وَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ احْتِمَالِ الطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ عَنْ احْتِمَالِ الْبَيَانِ فَتَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَةُ لِلطَّلَاقِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَوْ كَانَ وَقَعَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَمَا افْتَرَقَتْ الْحَالُ فِي الْبَيَانِ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ إذْ هُوَ إظْهَارُ مَا كَانَ، فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدُّ الْآخَرَ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يُتَعَيَّنُ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِلْبَيْعِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَيِّتُ لِلْبَيْعِ وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي مُخْتَارًا لِلْبَيْعِ فِي الْمَيِّتِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْبَاقِي إلَى الْبَائِعِ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ هُنَاكَ وُجِدَ الْمُبْطِلُ لِلْخِيَارِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ حُدُوثُ عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمَرَضُ إذْ لَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ عَنْ مَرَضٍ قُبَيْلَ الْمَوْتِ عَادَةً، وَحُدُوثُ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ مُبْطِلٌ لِلْخِيَارِ فَبَطَلَ الْخِيَارُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَدَخَلَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلرَّدِّ ضَرُورَةً، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ فِي الْمُطَلَّقَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْخِيَارِ.

وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيَانِ فَقَالَ الزَّوْجُ إيَّاهَا عَنَيْت لَمْ يَرِثْهَا وَطَلُقَتْ الْبَاقِيَةُ؛ لِأَنَّهَا كَمَا مَاتَتْ تَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَةُ لِلطَّلَاقِ فَإِذَا قَالَ عَنَيْت الْأُخْرَى فَقَدْ أَرَادَ صَرْفَ الطَّلَاقِ عَنْ الْبَاقِيَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ وَيُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّهُ وَالْإِنْسَانُ فِي إقْرَارِهِ بِإِبْطَالِ حَقِّ نَفْسِهِ مُصَدَّقٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتَا جَمِيعًا أَوْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ عَنَيْت الَّتِي مَاتَتْ أَوَّلًا لَمْ يَرِثْ مِنْهُمَا، أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِتَعَيُّنِهَا لِلطَّلَاقِ بِمَوْتِ الْأُولَى.

وَأَمَّا مِنْ الْأُولَى فَلِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مِيرَاثِهَا وَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى نَفْسِهِ.

وَلَوْ مَاتَتَا جَمِيعًا بِأَنْ سَقَطَ عَلَيْهِمَا حَائِطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>