الْأَصْلِيُّ لَهُ وَنَجَاسَةُ الظَّرْفِ إنَّمَا تُوجِبُ نَجَاسَةَ الْمَظْرُوفِ إذَا لَمْ يَكُنْ الظَّرْفُ مَعْدِنًا لِلْمَظْرُوفِ وَمَوْضِعًا لَهُ فِي الْأَصْلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْأَصْلِ مَوْضِعُهُ وَمَظَانُّهُ فَنَجَاسَتُهُ لَا تُوجِبُ نَجَاسَةَ الْمَظْرُوفِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ فِي الْمُذَكَّاةِ لَا يُنَجِّسُ اللَّحْمَ لَمَّا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ وَمَظَانِّهِ فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَبَ لَبَنَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ فَأُوجِرَ بِهِ الصَّبِيُّ يُحَرِّمُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوِعَاءَيْنِ؛ إذْ النَّجَسُ فِي الْحَالَيْنِ مَا يُجَاوِرُ اللَّبَنَ لَا عَيْنَهُ ثُمَّ نَجَاسَةُ الْوِعَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْدِنِ اللَّبَنِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ وُقُوعَ التَّحْرِيمِ فَمَا هُوَ مَعْدِنٌ لَهُ أَوْلَى، وَيَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ الِارْتِضَاعُ مِنْ الثَّدْيِ وَالْإِسْعَاطِ وَالْإِيجَارِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي التَّحْرِيمِ مِمَّا هُوَ مَعْدِنٌ لَهُ أَوْلَى وَيَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ الِارْتِضَاعُ مِنْ الثَّدْيِ وَالْإِسْعَاطِ وَالْإِيجَارِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي التَّحْرِيمِ هُوَ حُصُولُ الْغِذَاءِ بِاللَّبَنِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ وَسَدِّ الْمَجَاعَةِ لَأَنْ يَتَحَقَّقَ الْجُزْئِيَّةُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْإِسْعَاطِ وَالْإِيجَارِ؛ لِأَنَّ السَّعُوطَ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ وَإِلَى الْحَلْقِ فَيُغَذِّي وَيَسُدُّ الْجُوعَ وَالْوَجُورُ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَيُغَذِّي.
وَأَمَّا الْإِقْطَارُ فِي الْأُذُنِ فَلَا يُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ وُصُولُهُ إلَى الدِّمَاغِ لِضِيقِ الْخَرْقِ فِي الْأُذُنِ وَكَذَلِكَ الْإِقْطَارُ فِي الْإِحْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَضْلًا عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَعِدَةِ وَكَذَلِكَ الْإِقْطَارُ فِي الْعَيْنِ وَالْقُبُلِ لِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ الْإِقْطَارُ فِي الْجَائِفَةِ وَفِي الْآمَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ لَا إلَى الْمَعِدَةِ وَالْآمَّةُ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَى الْمَعِدَةِ لَكِنْ مَا يَصِلُ إلَيْهَا مِنْ الْجِرَاحَةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِذَاءُ فَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَالْحُقْنَةُ لَا تُحَرِّمُ بِأَنْ حُقِنَ الصَّبِيُّ بِاللَّبَنِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُحَرِّمُ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ حَتَّى أَوْجَبَتْ فَسَادَ الصَّوْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَصَلَ مِنْ الْفَمِ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْحُرْمَةِ هُوَ مَعْنَى التَّغَذِّي وَالْحُقْنَةُ لَا تَصِلُ إلَى مَوْضِعِ الْغِذَاءِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْغِذَاءِ هُوَ الْمَعِدَةُ وَالْحُقْنَةُ لَا تَصِلُ إلَيْهَا فَلَا يَحْصُلُ بِهَا نَبَاتُ اللَّحْمِ وَنُشُوزُ الْعَظْمِ وَانْدِفَاعُ الْجُوعِ فَلَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ.
وَلَوْ جُعِلَ اللَّبَنُ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ مَصْلًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَلَا يُنْشِزُ الْعَظْمَ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يُحَرِّمُ وَلَوْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِغَيْرِهِ فَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ أَمَّا إنْ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ أَوْ بِالدَّوَاءِ أَوْ بِالْمَاءِ أَوْ بِلَبَنِ الْبَهَائِمِ أَوْ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنْ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ فَإِنْ مَسَّتْهُ النَّارُ حَتَّى نَضِجَ لَمْ يُحَرِّمْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ طَبْعِهِ بِالطَّبْخِ وَإِنْ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الطَّعَامَ؛ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا غَلَبَ سَلَبَ قُوَّةَ اللَّبَنِ وَأَزَالَ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّغَذِّي فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ.
وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا لِلطَّعَامِ وَهُوَ طَعَامٌ يَسْتَبِينُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَثْبُتُ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ وَإِلْحَاقَ الْمَغْلُوبِ بِالْعَدَمِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ مَا أَمْكَنَ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ أَوْ بِلَبَنِ شَاةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّعَامَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يَسْلُبُ قُوَّةَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ يَرِقُّ وَيَضْعُفُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حِسِّ الْبَصَرِ فَلَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ بِهِ فِي تَغْذِيَةِ الصَّبِيِّ فَكَانَ اللَّبَنُ مَغْلُوبًا مَعْنًى وَإِنْ كَانَ غَالِبًا صُورَةً وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ أَوْ بِالدُّهْنِ أَوْ بِالنَّبِيذِ؛ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا يُحَرِّمُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَحِلُّ بِصِفَةِ اللَّبَنِ وَصَيْرُورَتِهِ غِذَاءً بَلْ بِقَدْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُخْلَطُ بِاللَّبَنِ لِيُوصَلَ اللَّبَنُ إلَى مَا كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِقُوَّةِ التَّنْفِيذِ ثُمَّ اللَّبَنُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ فَمَعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ هُوَ الْغَالِبَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إذَا صَارَ مَغْلُوبًا صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي فَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا لَا يَثْبُتُ بِهِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا قُطِّرَ مِنْ الثَّدْيِ مِقْدَارَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ فِي جُبِّ مَاءٍ فَسُقِيَ مِنْهُ الصَّبِيُّ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ اللَّبَنَ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الصَّبِيِّ بِقَدْرِهِ فِي وَقْتِهِ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ كَمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَا شَكَّ فِي وَقْتِ الرَّضَاعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْقَدْرَ الْمُحَرِّمَ مِنْ اللَّبَنِ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الصَّبِيِّ أَنَّ اللَّبَنَ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَهُوَ مَوْجُودٌ شَائِعٌ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَى فَيُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَلَنَا أَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ الْحُرْمَةَ فِي بَابِ الرَّضَاعِ بِمَعْنَى التَّغَذِّي عَلَى مَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَاللَّبَنُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَاءِ لَا يُغَذِّي الصَّبِيَّ لِزَوَالِ قُوَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي تَغْذِيَةِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرِّمًا وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute