تَتَحَقَّقُ نِيَّتُهُمْ إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا حَارَبَ أَهْلُ الْعَدْلِ الْبُغَاةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ وَنَوَوْا الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ وَالتُّرْكُمَانِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي بُيُوتِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُونَ مُقِيمِينَ أَبَدًا وَإِنْ نَوَوْا الْإِقَامَةَ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ الْمَفَازَةَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْإِقَامَةُ فِي الْمَفَاوِزِ دُونَ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، فَكَانَتْ الْمَفَاوِزُ لَهُمْ كَالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى لِأَهْلِهَا وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلرَّجُلِ أَصْلٌ وَالسَّفَرُ عَارِضٌ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ السَّفَرَ بَلْ يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى حَتَّى لَوْ ارْتَحَلُوا عَنْ أَمَاكِنِهِمْ وَقَصَدُوا مَوْضِعًا آخَرَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ صَارُوا مُسَافِرِينَ فِي الطَّرِيقِ.
ثُمَّ الْمُسَافِرُ كَمَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِصَرِيحِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ صَالِحٍ لِلْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا خَارِجَ الصَّلَاةِ يَصِيرُ مُقِيمًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، سَوَاءً نَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي وَسَطِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتِ بَاقِيًا وَإِنْ قَلَّ، وَسَوَاءً كَانَ الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا مَسْبُوقًا أَوْ مُدْرِكًا إلَّا إذَا أَحْدَثَ الْمُدْرِكُ أَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَتَوَضَّأَ أَوْ انْتَبَهَ بَعْدَ مَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ نِيَّةُ الِاسْتِقْرَارِ، وَالصَّلَاةُ لَا تُنَافِي نِيَّةَ الِاسْتِقْرَارِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِيهَا فَإِذَا كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَالْفَرْضُ لَمْ يُؤَدَّ بَعْدُ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّغْيِيرِ فَيَتَغَيَّرُ بِوُجُودِ الْمُغَيَّرِ " وَهُوَ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ "، وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ أُدِّيَ الْفَرْضُ لَمْ يَبْقَ مُحْتَمِلًا لِلتَّغْيِيرِ فَلَا يَعْمَلُ الْمُغَيَّرُ فِيهِ، وَالْمُدْرِكُ الَّذِي نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ أَحْدَثَ وَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَقَدْ اسْتَحْكَمَ الْفَرْضُ وَلَمْ يَبْقَ مُحْتَمِلًا لِلتَّغْيِيرِ فِي حَقِّهِ فَكَذَا فِي حَقِّ اللَّاحِقِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَةً ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْوَقْتِ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْوَقْتِ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ.
وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ السَّفَرِ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ بَعْدُ إلَّا أَنَّهُ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْلٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الشَّفْعِ الْأَخِيرِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ اسْتَحْكَمَ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ وَلَكِنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى لِتَكُونَ الرَّكْعَتَانِ لَهُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَتْرَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَوْ أَفْسَدَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ فَفَرْضُهُ تَامٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَظْنُونِ، هَذَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ وَنَوَى الْإِقَامَةَ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ وَإِنْ أَقَامَ صُلْبَهُ لَا يَعُودُ، كَالْمُقِيمِ إذَا أَقَامَ مِنْ الثَّالِثَةِ إلَى الرَّابِعَةِ، وَهُوَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَخِيرِ بِالْخِيَارِ.
وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَتَّى نَوَى الْإِقَامَةَ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي حَقِّ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهَا قَدْ فَسَدَتْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ تَمَّ شُرُوعُهُ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْ بِتَمَامِ فِعْلِ النَّفْلِ، وَتَمَامُ فِعْلِ الصَّلَاةِ بِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ، وَلِهَذَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً بِدُونِهِ، وَإِذَا صَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ صَارَ خَارِجًا عَنْ الْفَرْضِ ضَرُورَةً لَكِنْ بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى لِيَكُونَ الْأَرْجَحُ لَهُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ارْتَفَعَتْ التَّحْرِيمَةُ بِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ انْقِلَابُهُ تَطَوُّعًا مُسَافِرٌ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ، وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ تَفْسُدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute