الْفَصْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ الْكَلَامَ شَرْطَ انْحِلَالِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ يَمِينٌ تَامَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَإِذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَقَدْ جَعَلَ كَلَامَ فُلَانٍ غَايَةً لِانْحِلَالِهَا فَإِذَا كَلَّمَهُ انْحَلَّتْ فَلَا يَدْخُلُ مَا بَعْدَ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي جَعَلَ كَلَامَ فُلَانٍ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَلَّمَهُ الْآنَ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ لَا مَا قَبْلَهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْكَلَامِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيه إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهَذَا عَلَى مَا يَشْتَرِي بَعْدَ الْفِعْلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَى قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ عَنْدَ دُخُولِ الدَّارِ كَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٌ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَنَّ قَوْلَهُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ شَرْطٌ آخَرُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَا شَرْطًا وَاحِدًا لِعَدَمِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ إلْغَاءَ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مَعَ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْلِ وَلِتَصْحِيحِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ جَزَائِهِ يَمِينًا وَجَزَاءُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاجِ حَرْفِ الْفَاءِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ الْمُتَعَقِّبَ لِلشَّرْطِ لَا يَكُونُ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ، وَالثَّانِي: أَنْ يُجْعَلَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ أَيْضًا بِجَعْلِ الْمُقَدَّمِ مِنْ الشَّرْطَيْنِ مُؤَخَّرًا إلَّا أَنَّ التَّغْيِيرَ فِيهِ أَقَلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَبْدِيلَ مَحَلِّ الْكَلَامِ لَا غَيْرُ وَفِي الْأَوَّلِ إثْبَاتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فَكَانَ الثَّانِي أَقَلَّ تَغْيِيرًا فَكَانَ التَّصْحِيحُ بِهِ أَوْلَى وَتُسَمَّى هَذِهِ الْيَمِينُ الْيَمِينَ الْمُعْتَرِضَةَ لِاعْتِرَاضِ شَرْطٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلَوْ نَوَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: إلَّا أَنْ يَعْنِيَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَكُونَ عَلَى مَا عَنَى.
وَلَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ: كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْلِكُ لِلْحَالِ لِمَا يَتَنَاوَلُهُ لِلْحَالِ نَوْعَ مِلْكٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِعْتَاقِ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا أَعْتَقْت فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمِلْكِ الْحَاصِلِ لَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِنَّهُ مِلْكٌ صَالِحٌ لِلْإِعْتَاقِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ بَلَغَ فَمَلَكَ عَبْدًا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا لِكَوْنِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ.
فَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ عَاقِلًا بَالِغًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ مِنْهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ الصَّالِحُ فَإِذَا عُلِّقَ بِمِلْكٍ يَصْلُحُ شَرْطًا لَهُ صَحَّ.
وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ إلَى آخِرِ عُمُرِهِ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْحُرِّ؛ وَلِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَالِ إبْطَالٌ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَلْمُكَاتَبِ نَوْعَ مِلْكٍ ضَرُورِيٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ فِي حَالَةِ الرِّقِّ فِي حَالَةِ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ لِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» الْحَدِيثَ أَضَافَ الْمَالَ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْمِلْكِ دَلَّ أَنَّ لَهُ نَوْعَ مِلْكٍ فَهُوَ مُرَادٌ بِهَذَا الْإِيجَابِ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْتُ هَذَا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَمَا صَارَ حُرًّا لَا يَعْتِقُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمَجَازِيَّ مُرَادٌ فَخَرَجَتْ الْحَقِيقَةُ عَنْ الْإِرَادَةِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَقَدْ قَالُوا فِي عَبْدٍ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ نَسَمَةٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ: لَزِمَهُ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ إذَا عَتَقَ؛ لِأَنَّ هَذَا إيجَابُ الْإِعْتَاقِ، وَالْإِطْعَامُ فِي الذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ تَحْتَمِلُ الْإِيجَابَ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ إنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ فَهِيَ هَدْيٌ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَقُولَ: إنْ اشْتَرَيْته بَعْدَ الْعِتْقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَلْزَمَانِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ يُضَافُ إلَيْهِ الشِّرَاءُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ بِمُقَابَلَةِ الشِّرَاءِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْمَجَازُ مُرَادٌ فَلَا تَكُونُ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ هَذَا يَتَنَاوَلُ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الشِّرَاءِ فِي عُمُرِهِ وَتَصْحِيحُ الْيَمِينِ أَيْضًا أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهَا وَقَدْ قَالُوا جَمِيعًا فِي مُكَاتَبٍ أَوْ عَبْدٍ قَالَ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَدَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْعِتْقِ وَلَمْ تُوجَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute