كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى مَوْتِهِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ اتِّصَافِ هَذَا الْجُزْءِ بِالتَّقَدُّمِ اتِّصَافُ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ، وَلَا يَظْهَرُ أَنَّ دَلِيلَ الِاتِّصَافِ كَانَ مَوْجُودًا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، إذْ الدَّلِيلُ هُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّهْرِ، وَوُجُودُ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ مُقَارِنًا لِأَوَّلِ الشَّهْرِ مُحَالٌ، فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلُ اتِّصَافِ الشَّهْرِ بِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا مَوْجُودًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الِاتِّصَافُ، فَبَقِيَ مِلْكُ النِّكَاحِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَيُحْكَمُ فِي هَذَا الْجُزْءِ بِكَوْنِهَا طَالِقًا، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهَا طَالِقًا فِي هَذَا الْجُزْءِ ثُبُوتُ الِانْطِلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ طَالِقًا بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ الْمَوْصُوفِ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الْمَوْتِ، فَلِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ حُكِمَ بِالطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، لَكِنْ بَعْدَ مَا كَانَ النِّكَاحُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ قَائِمًا لِعَدَمِ دَلِيلِ الِاتِّصَافِ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، ثُمَّ لَمَّا حُكِمَ بِكَوْنِهَا طَالِقًا لِلْحَالِ وَثَبَتَ الِانْطِلَاقُ فِيمَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ضَرُورَةً، جُعِلَ كَأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ لِلْحَالِ، ثُمَّ بَعْدَ وُقُوعِهِ يَسْرِي إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ، هَكَذَا يُوجِبُ ضَرُورَةَ مَا بَيَّنَّا مِنْ الدَّلِيلِ، وَإِذَا جُعِلَ هَكَذَا يُخَرَّجُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ أَمَّا الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ فُلَانٍ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهَا فَوَجَبَتْ لِلْحَالِ، وَجُعِلَ كَأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ لِلْحَالِ.
وَأَمَّا الْخُلْعُ فَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً وَقْتَ الْمَوْتِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا مِنْ وَجْهٍ وَيُحْكَمُ بِبَقَائِهِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الدَّلِيلِ، ثُمَّ يُحْكَمُ لِلْحَالِ بِكَوْنِهَا طَالِقًا بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ وَسَرَى وَاسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ عُلِمَ أَنَّهُ خَالَعَهَا وَهِيَ بَائِنَةٌ عَنْهُ فَلَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدٍّ بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِذَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَالنِّكَاحُ الَّذِي كَانَ يَبْقَى إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الدَّلِيلِ لَا يَبْقَى لِارْتِفَاعِهِ بِالْخُلْعِ، فَبَقِيَ النِّكَاحُ إلَى وَقْتِ الْخُلْعِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ كَانَ مُرْتَفِعًا عِنْدَ الْخُلْعِ، فَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ وَلَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدِّ بَدَلِ الْخُلْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْوُقُوفِ عَلَى كَوْنِ زَيْدٍ فِي الدَّارِ مَوْجُودٌ حَالَةَ التَّكَلُّمِ فَانْعَقَدَ الطَّلَاقُ تَنْجِيزًا لَوْ كَانَ هُوَ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَوْجُودِ تَحَقَّقَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُ فُلَانَةَ غُلَامًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي الْبَطْنِ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ الْحَمْلُ، فَانْعَقَدَ الطَّلَاقُ تَنْجِيزًا، ثُمَّ عَلِمْنَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ طَرِيقِ التَّبْيِينِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمَّا تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا آخِرَ الْوُجُودِ حَدًّا لِآخَرَ وَهُوَ الْفَرْدُ اللَّاحِقُ وَهِيَ فَرْدٌ وَهِيَ لَاحِقَةٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: امْرَأَتِي الْأُولَى وَامْرَأَتِي الْأَخِيرَةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِلْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بِثَالِثَةٍ فَتُسْلَبُ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ عَنْ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِثَالِثَةٍ تَقَرَّرَتْ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ لِلثَّانِيَةِ مِنْ الْأَصْلِ، فَحُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَهُنَا دَلِيلُ اتِّصَافِ الشَّهْرِ بِالتَّقَدُّمِ مُنْعَدِمٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ يُلْحَقُ بِالْعَدَمِ وَهُوَ هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى مَاتَ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ صَرِيحًا بِعَدَمِ التَّزَوُّجِ، وَالْعَدَمُ يَسْتَوْعِبُ الْعُمُرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً لَا يُوصَفُ بِعَدَمِ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْعَدَمُ يُقَابِلُ الْوُجُودَ، فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْوُجُودِ فَيَتِمُّ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يَنْزِلُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ بِتَمَامِهِ فَوَقَعَ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالِ وُجُودِ الشَّرْطِ.
وَأَمَّا هَذَا فَلَيْسَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَيَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الصِّفَةِ بِدَلِيلِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، أَوْ قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرٍ فَمَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ، أَوْ مَاتَتْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ، فَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَقَالَا: الْعَتَاقُ يَقَعُ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا هَذَا تَصَرُّفُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالزَّوْجُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَلَا الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا مَحَلٌّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي التَّدْبِيرِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِشَهْرٍ، أَوْ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِشَهْرٍ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ قَدِمَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَا يَعْتِقُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى مَوْتَيْهِمَا، أَوْ قُدُومِهِمَا، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَا يُتَصَوَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute