مِنْهَا بِدُونِ التَّخْيِيرِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ، يَعْتَبِرُ صِحَّةَ الْمَالِكِ وَمَرَضِهِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ.
هَكَذَا ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعْتَقًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: هَذَا هُوَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ، وَيَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ مَا شَاءَ مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِيَعْتِقَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهِ صَحِيحٌ فَيَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَعِنْدَهُمَا كَيْفَ مَا كَانَ يُعْتَبَرُ عِتْقُهُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَهُمَا مُعْتَقًا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَاَللَّهُ ﷿ الْمُسْتَعَانُ.
وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتَيْنِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُضَافَ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ؛ فَيَنْزِلُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَالْمُعَلَّقُ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ فِعْلٍ وَوَقْتٍ يَعْتَبِرُ فِيهِ الْفِعْلَ، وَيَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ،، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ وَغَدًا، يُعْتَقُ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا ظَرْفًا لِلْعِتْقِ، فَلَوْ تَوَقَّفَ وُقُوعُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، لَكَانَ الظَّرْفُ وَاحِدًا لِوَقْتَيْنِ لَا كِلَاهُمَا، وَأَنَّهُ إيقَاعُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ غَدًا، أُعْتِقَ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى الْيَوْمِ، ثُمَّ وَصَفَ الْيَوْمَ بِأَنَّهُ غَدٌ وَأَنَّهُ مُحَالٌ وَيَبْطُلُ وَصْفُهُ، وَبَقِيَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَوْمِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا الْيَوِمَ، يُعْتَقُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْغَدِ، وَوَصَفَ الْغَدَ بِالْيَوْمِ وَهُوَ مُحَالٌ فَلَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ، وَبَقِيَتْ إضَافَتُهُ الْعِتْقَ إلَى الْغَدِ فَيُعْتَقُ فِي الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَمَا لَمْ يُقْدِمَا جَمِيعًا، لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ آخِرِهِمَا، إذْ لَوْ نَزَلَ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا لَبَطَلَ التَّعْلِيقُ بِهِمَا وَلَكَانَ ذَلِكَ تَعْلِيقًا بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ عَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا لَا بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا يُعْتَقُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَحَدَ الْوَقْتَيْنِ ظَرْفًا، فَلَوْ عَتَقَ فِي الْيَوْمِ، لَكَانَ الْوَقْتَانِ جَمِيعًا ظَرْفًا، وَهَذَا خِلَافُ تَصَرُّفِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ غَدًا.
فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ، عَتَقَ، وَإِنْ جَاءَ الْغَدُ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ، لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يَقْدُمْ فِي جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَيَّهُمَا سَبَقَ مَجِيئُهُ؛ يُعْتَقُ عِنْدَ مَجِيئِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ شَرْطًا وَوَقْتًا فِي تَصَرُّفٍ وَاحِدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِمَا بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَبَيْنَ الْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ مِنْ التَّنَافِي، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا وَتَرْجِيحِهِ عَلَى الْآخَرِ، فَأَبُو يُوسُفَ رَجَّحَ جَانِبَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَالظَّرْفُ قَدْ يَصْلُحُ شَرْطًا، فَكَانَ الرُّجْحَانُ لِجَانِبِ الشَّرْطِ، فَاعْتَبَرَهُ تَعْلِيقًا بِأَحَدِ الشَّرْطَيْنِ فَيَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَوَّلِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ كَمَا إذَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَنَحْنُ رَجَّحْنَا السَّابِقَ مِنْهُمَا فِي اعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ هُوَ السَّابِقُ، يَعْتَبِرُ التَّصَرُّفَ تَعْلِيقًا وَاعْتِبَارُهُ تَعْلِيقًا يَقْتَضِي نُزُولَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَوَّلِ الشَّرْطَيْنِ، كَمَا إذَا عَلَّقَهُ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ نَصًّا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ هُوَ السَّابِقُ، يَعْتَبِرُ إضَافَتَهُ وَاعْتِبَارُهَا يَقْتَضِي نُزُولَ الْعِتْقِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتَيْنِ، كَمَا إذَا أَضَافَ إلَى آخِرِ الْوَقْتَيْنِ نَصًّا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرُّكْنُ عَارِيًّا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ رَأْسًا كَيْفَمَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ وَضْعِيًّا كَانَ أَوْ عُرْفِيًّا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَتَاقِ وَبَيَانِ أَنْوَاعِهِ وَمَاهِيَّةِ كُلِّ نَوْعٍ وَشَرَائِطِ صِحَّتِهِ، عَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَلَا يَخْتَلِفَانِ إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْعَدَدِ فِي الطَّلَاقِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ذُو عَدَدٍ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْعَدَدِ، وَالْعِتْقُ لَا عَدَدَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْعَدَدِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبِيدِهِ: أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا؛ لِأَنَّ نَصَّ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ نَصِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي، وَلَوْ اسْتَثْنَى عِتْقَ بَعْضِ الْعَبْدِ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ فَيَصِحُّ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ: غُلَامَايَ حُرَّانِ سَالِمٌ وَبَرِيعٌ إلَّا بَرِيعًا، أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةً ثُمَّ فَصَّلَهَا بِقَوْلِهِ: سَالِمٌ وَبَرِيعٌ، فَانْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظِ بِهَا فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ فَصَحَّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا إذَا قَالَ: سَالِمٌ حُرٌّ وَبَرِيعٌ إلَّا سَالِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ كَانَ هَذَا اسْتِثْنَاءً عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute