للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شِقْصٌ فِي مَمْلُوكٍ فَأَعْتَقَهُ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي رَقَبَتِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَهُوَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا فِي الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ بِالْإِزَالَةِ، فَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ وَكَذَا الْمَالِيَّةُ بِلَا شَكٍّ، حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْغَانِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا فِي الرِّقِّ فَالرِّقُّ مُتَجَزِّئٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَحِلَّهُ مُتَجَزِّئٌ وَهُوَ الْعَبْدُ وَإِذَا كَانَ مَحِلُّهُ مُتَجَزِّئًا، كَانَ هُوَ مُتَجَزِّئًا ضَرُورَةً.

وَأَمَّا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ إذَا أَعْتَقَا عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْوَلَاءُ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ فَدَلَّ تَجَزُّؤُهُ عَلَى تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ: فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافَهُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ صَبِيٍّ وَبَالِغٍ أَعْتَقَ الْبَالِغُ نَصِيبَهُ قَالَ: يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصَّبِيِّ، فَإِذَا بَلَغَ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى، وَلَئِنْ ثَبَتَ رَفْعُهُ فَتَأْوِيلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: عَتَقَ كُلُّهُ أَيْ: اسْتَحَقَّ عِتْقَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَخْرِيجُ الْبَاقِي إلَى الْعِتْقِ لَا مَحَالَةَ فَيُعْتِقُ الْبَاقِي لَا مَحَالَةَ بِالِاسْتِسْعَاءِ أَوْ بِالضَّمَانِ، وَمَا كَانَ مُسْتَحَقُّ الْوُجُودِ يُسَمَّى بِاسْمِ الْكَوْنِ وَالْوُجُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠] وَالثَّانِي أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عِتْقُ كُلِّهِ لِلْحَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عِتْقُ كُلِّهِ عِنْدَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالضَّمَانِ، فَنَحْمِلُهُ عَلَى هَذَا عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمَا: إنَّ الْعِتْقَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْقُوَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَثُبُوتُهَا فِي الْبَعْضِ شَائِعًا مُمْتَنِعٌ، فَكَذَا الْحُكْمِيَّةُ، فَنَقُولُ: لِمَ قُلْتُمْ: إنَّ اعْتِبَارَ الْحُكْمِ بِالْحَقِيقَةِ لَازِمٌ؟ أَلَيْسَ أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ سَوَاءٌ، ثُمَّ الْمِلْكُ يَثْبُتُ فِي النِّصْفِ شَائِعًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ يُعْرَفُ بِدَلِيلِ الشَّرْعِ وَهُوَ النَّصُّ وَالِاسْتِدْلَالُ لَا بِالْحَقَائِقِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْآثَارِ فَلَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ الْعِتْقِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الْعِتْقِ بِدُونِهَا كَمَا فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، بَلْ هِيَ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَفَوَاتُ الثَّمَرَةِ لَا يُخِلُّ بِالذَّاتِ، ثُمَّ إنَّهَا مِنْ ثَمَرَاتِ حُرِّيَّةِ كُلِّ الشَّخْصِ لَا مِنْ ثَمَرَاتِ حُرِّيَّةِ الْبَعْضِ.

فَإِنَّ الْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ شُرِعَتْ قَضَاءَ حَقِّ الْعَاجِزِينَ؛ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْقُدْرَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ كَمَالِ النِّعْمَةِ وَهُوَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهُ حَقُّ الْمَوْلَى لِيَصِلَ إلَى إقَامَةِ حُقُوقِ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُمَا: لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتُهُ كَذَا زَوَالُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ مَنَعَ وَقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا ظَهَرَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْكَفَرَةِ وَضَرَبَ الرِّقَّ عَلَى أَنْصَافِهِمْ وَمَنَّ عَلَى الْأَنْصَاف جَازَ، وَيَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، ثُمَّ إنْ سَلَّمْنَا، فَالرِّقُّ مُتَجَزِّئٌ فِي نَفْسِهِ حَالَةَ الثُّبُوتِ، لَكِنَّهُ تَكَامَلَ لِتَكَامُلِ سَبَبِهِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُهُ عَلَى بَعْضِ الْمَحِلِّ دُونَ بَعْضٍ، وَفِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وُجُودُ سَبَبِ زَوَالِهِ كَامِلًا وَقَاصِرًا فَيَثْبُتُ كَامِلًا وَقَاصِرًا عَلَى حَسْبِ السَّبَبِ.

وَأَمَّا التَّخْرِيجُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَامْتِنَاعُ جَوَازِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَيْسَ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ، فَمَمْنُوعٌ؛ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ بَلْ هُوَ مُتَجَزِّئٌ، فَإِنَّ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَحَدَهُمَا، صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ التَّكَامُلِ وَهُوَ نِسْبَةُ كُلِّ أُمِّ الْوَلَدِ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِيلَادِ وَمَا مِنْ مُتَجَزِّئٍ إلَّا وَلَهُ حَالُ الْكَمَالِ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ بِكَمَالٍ يَتَكَامَلُ، وَإِذَا وُجِدَ قَاصِرًا، لَا يَتَكَامَلُ بَلْ يَثْبُتُ بِقَدْرِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا وُجِدَ قَاصِرًا فَلَمْ يَتَكَامَلْ، وَكَذَا إعْتَاقُ أُمِّ الْوَلَدِ مُتَجَزِّئٌ وَالثَّابِتُ لَهُ عِتْقُ النِّصْفِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْعِتْقُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي لَا بِإِعْتَاقِهِ؛ بَلْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي بَقَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ، يُبْنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ: عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، يُعْتَقُ نَصِيبُهُ لَا غَيْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَهُ مُتَجَرِّئٌ، وَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ إعْتَاقَ الْكُلِّ بَلْ يُعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَ وَيَبْقَى الْبَاقِي رَقِيقًا، وَلِلشَّرِيكِ السَّاكِتُ خَمْسُ خِيَارَاتٍ: إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَهُ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ مُعْسِرًا كَانَ الْمُعْتَقُ أَوْ مُوسِرًا وَيَسْعَى وَهُوَ رَقِيقٌ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتَقَ قِيمَةَ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ، وَتَرْكُ الْمَالِ مَنْ غَيْرِ انْتِفَاعِ أَحَدٍ بِهِ سَبَبٌ لَهُ وَإِنَّهُ حَرَامٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْرِيجِهِ إلَى الْعِتْقِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْنَا أَمَّا خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ؛ فَلِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>