له نَفْسان تستحى إِحداهما من الأُخرى، وهذا أَكمل ما يكون من الحياءِ، فإِنَّ العبد إِذا استحيا من نفسه فهو بأَن يستحى من غيره أَجدر. وقال يحيى بن مُعاذ رحمه الله: من استحى من الله مطيعا استحى الله منه وهو مذنب. وهذا الكلام يحتاج إِلى شرح، ومعناه أَنَّ من غلب عليه خُلُق الحياءِ من الله حتَّى فى حال طاعتة فقلبه مطرق من بين يديه إِطراق مستحْى خَجِل، فإِنَّه إِذا واقع ذنبا استحى الله عزَّ وجلّ مِن نظره إِليه فى تلك الحالة لكرامته عليه فيستحى أَن يرى مِن وَليّه وَمَنْ يكرُم عليه ما يَشينه. وفى الشاهد [ما يشهد] بذلك، فإِن الرّجل إِذا اطَّلع على أَخصّ النَّاس به وأَحبّهم إِليه من صاحب أَو ولدٍ أَو حبيبٍ وهو يخونه فإِنَّه يلحقه من ذلك الاطِّلاع حياءٌ عجيب حتَّى كأَنَّه هو الجانى، وهذا غاية الكرم. وقد قيل: إِنَّ سبب هذا الحياء أَنَّه يمثِّل نفسه الجانى فيلحقه الحياءُ كما إِذا شاهد الرّجل مَن أحصِر على المنبر عن الكلام فيلحقه الحياءُ فإِنَّه يَخْجل تمثيلاً لنفسه تلك الحالة.
وأَمّا حياءُ الربّ - تبارك وتعالى - من عبده فنوع آخر لا تدركه الأَوهام ولا تكيّفه العقول، فإِنَّه حياءُ كرمٍ وبرٍّ وجُودٍ، فإِنَّه خير كريم يَستحى من عبْده إِذا رَفَعَ إِليه يديه أَن يردَّهما صِفراً، ويستحى أَن يعذّب ذا شَيْبة شابت فى الإِسلام. وكان يحيى بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبْدُه ويستحى هو.