الوَحْىُ: ما يقعُ به الإِشارةُ القائمة مقامَ العِبارة من غير عبارَة، فإِنَّ العِبارةَ يجوزُ منها إِلى المعنى المقصود بها، ولذا سُمِيّت عِبارةً، بخلاف الإِشارة الَّتى هى الوحى فإِنها ذاتُ المُشار إليه، والوَحْىُ هو المفهومُ الأَوّل، والإِفهام الأَوّل، ولاتعجب من أَن يكون عين الفهم عين الإِفهام عين المفهوم منه، فإِن لم تحصل لك هذه النكتة فلست بصاحبِ وَحْىٍ، أَلا تَرى أَنَّ الوَحْىَ هو السُّرْعة، ولاسُرْعَة أَسْرَعُ ممّا ذكرنا. فهذا الضَّرب من الكلام يُسمَّى وَحْياً، ولما كان بهذه المَثابة وأَنَّه تَجَلٍّ ذاتٌّى، لهذا ورد فى الحديث الذى رَواه ابن حبّان فى صحيحه وغيره "أَنَّ الله إِذا تَكَلَّم بالوَحْىِ سَمع أَهلُ السّماءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ/ السِلْسِلَة على الصّفاة فيَصْعَقُون، فلا يزالون كذلك حَتَّى يأَتيَهم جبريل، فإِذا جاءَهم فُزِّع عن قُلُوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال رَبُّك فيقولُ: الحَقّ: فيُنادُون الحقَّ وهو العَلّىِ الكبير"[وما سَأَلت الملائكة] عن هذه الحقيقة [وإنما عن] السبب من حيث هُوِيَّته.
فالوحى: ما يسرع أَثره من كلام الحق فى نفس السّامع، ولا يَعْرف هذا إِلا العارِفُون بالشؤون الإِلهيَّةِ فإِنَّها عَيْنُ الوحى الإِلهىّ فى العالَم وهم لا يشعرون. فافْهَم.