وللسّالك نظران: نظر إِلى نفسه وعيوبه وآفات عمله يفتح عليه بابَ الخوف، ونظر إِلى سعة فضل ربّه وكرمه وبرِّه يفتح عليه بابَ الرّجاءِ، "وهما كجناحى الطائر إِذا استويا استوى الطَّائر وتمَّ طيرانه".
واختلفوا أَىّ الرّجاءَين أَكمل، رجاء المحسن ثواب إِحسانه، أَو رجاء المذنب التائب عفو ربِّه وعظيم غفرانه؟ فطائفة رَجَّحت رجاءَ المحسن لقوّة أَسباب الرّجاء معه. وطائفة رجَّحت رجاءَ المذنب، لأَنَّ رجاءَه مجرّد عن علَّة رؤية العمل، مقرون برؤية ذِلَّة الذَّنب. قال يحيى بن مُعاذَ:"إِلهى أَحلى العطايا فى قلبى رجاؤُك، وأَعذب الكلام على لسانى ثناؤُك، وأَحبُّ السّاعات إِلىَّ ساعةٌ يكون فيها لقاؤُك". وقال أَيضاً:"يكاد رجائى لك مع الذُّنُوب يغلب على رجائى لك مع الأعمال، لأَنى أَجدنى أَعتمد فى الأَعمال على الإِخلاص، وكيف أُحرزها وأَنا بالآفات معروف. وأَجدنى في الذنب أَعتمد على عفوك. وكيف لا تغفرها وأَنت بالجود موصوف".
فإِن قلت: ما تقول فى قول من جعل الرّجاء من أَضعف [منازل] المريدين؟ قلت: إِنما أَرادوا بالنسبة إِلى ما فوقه من المنازل، كمنزلة المحبَّة والمعرفة والإِخلاص والصِّدق والتَّوكُّل والرِّضا، لا أَن مرادهم ضَعف هذه المنزلة فى نفسها وأَنها منزلة ناقصة. فافهم، فقد أَوضحنا لك أَنَّها من أَجلِّ المنازل وأَعلاها وأَشرفها. والله أَعلم.