هو من جملة الأَحوال، يعنى هذا لا يمكن أَن يتوصّلَ إِليه العبدُ، بل هو نازلة تحُلُّ بالقلب كسائر الأَحوال. والفرق بين المقامات والأَحوال، أَن المقامات عندهم من المكاسب، والأَحوال مجرّد المواهب.
وحكمت فرقة ثالثة بين الطَّائفتين، منهم الشيخ القدوة صاحب الرِّسالة وغيره. فقالوا: يمكن الجمع بينهما بأَن يقال: مبدأُ الرّضا مكتسَب للعبد فهو من جملة المقامات، ونهايته من جملة الأَحوال، فليست مكتسبة.
واحتج شيوخ خراسان ومن قال بقولهم بأَنَّ الله تعالى مَدَح أَهله وأَثنى عليهم ونَدَبهم إِليه، فدلَّ على أَنَّه مقدور لهم. وقال النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم:"ذاقَ طعم الإِيمان مَن رضى باللهِ ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمد رسولاً". ورأَيت من أَصحابنا مَن نزَّل هذا الحديث على جميع معانى سورة الأَنبياءِ حرفًا حرفًا. وقال:"من قال حين يسمع النِّداءَ: رضيتُ بالله ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمّد رسولاً غُفرت له ذنوبهُ". وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدِّين، وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وأُلوهيته، والرّضا برسوله والانقياد له. والرّضا بدينه والتسليم له. ومن اجتمعت له هذه الأَربعة فهو الصّدّيق حقًّا. وهى سهلة بالدَّعوى واللِّسان، ومِن أَصعب الأُمور عند الحقيقة والامتحان، ولا سيّما إِذا ما خالَفَ هَوَى النَّفس ومرادَها، فحينئذ يتبين أَنَّ الرّضا كان على رسالة لا على حالة.