وبليّاته، ثمّ دعا [إِلى] الله على بصيرة بدينة وإِيمانه، ثم جرّد الدّعوة إِليه وحده بما جاءَ به رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يَشُبْهَا بآراءِ الرِّجال وأَذواقهم ومواجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم، ولم يزِنْ بها ما جاءَ به الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، فهذا الذى يستحقُّ اسم العارف على الحقيقة، وإِذا سمّى به غيره فعلى الدّعوى والاستعارة.
وقد تكلَّموا فى المعرفة بآثارها وشواهدها، فقال بعضهم: مِن أَمارات المعرفة بالله حصول الهيبة، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته. وقال أَيضا: المعرفة توجب السكينة. وقيل: علامتها أَن يحس بقرب قلبه من الله فيجده قريباً منه. وقال الشِّبلى: ليس لعارف عَلاَقة، ولا لمحبّ شكوى، ولا لعبد دَعْوَى، ولا لخائف قرار، ولا لأَحد من الله فِرار. وهذا كلامٌ جيّد، فإِن المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلَّها، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه عَلاَقة لغيره، ولا يمرّ به العلائق إِلاَّ وهى مجْتازَة. وقال أَحمد بن عاصم: من كان بالله أَعرف كان من الله أَخوف. ويدلّ على هذا قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} ، وقول النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم:"أَنا أَعرفكم بالله وأَشدّكم له خَشْية". وقال آخر: من عرف الله ضاقت عليه الأَرضُ بسعتها؛ وقال غيره: من عرف الله اتَّسَع عليه كلُّ ضيق. ولا تنافى بين هذين الكلامين فإِنَّه يضيق عليه كلَّ مكان لاتِّساعه فيه على شأْنه ومطلوبه، ويتَّسع له ما ضاق على غيره لأَنَّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه، فقلبه غير محبوس فيه. والأَوّل فى بداية المعرفة والثانى فى غايتها التى يصل اليها العبد. وقال: من عرف الله