صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأَحسَّت روحه بالقرب الخاصّ الذى ليس كالقرب المحسوس، حتى يشاهد رفع الحجاب بين روحه وقلبه - فإِنَّ حجابه هو نفسه، وقد رفع الله عنه سبحانه ذلك الحجاب بحوله وقوته - أَفضى القلب والروح حينئذ إِلى الرَّب، فصار بعنده كأَنَّه يراه. فإِذا تحقَّق بذلك، وارتفع عنه حجاب النفس، وانقشع عنه ضياؤها ودخانها، وكُشطت عنه سُحُبها وغيومها، فهنالك يقال له:
بَدَا لك سرّ طال عنك اكتِتامُهُ ... ولاحَ صَباحٌ كنت أَنت ظَلامُهُ
فأَنت حِجابُ القَلْبِ عن سرّ غَيْبه ... ولَوْلاك لم يُطبَعْ عَلَيْكَ خِتامُهُ
فإِن غبْتَ عنه حَلّ فيه وطنَّبت ... على منكب الكَشْفِ المصُونِ خيامُه
وجاءَ حديثٌ لا يُمَلُّ حديثه ... ويُنهَى إِلينا نثره ونِظامُهُ
إِذا ذكَرَتهُ النفس زال عَناؤها ... وزال عن القلْبِ الكَئِيب قَتَامُه
والمكاشفة الصحيحة المستديمة عبارة عن علوم يحدثها الرب - تعالى - فى قلب العبد، ويُطلعه بها على أُمور تخفى على غيره. وقد يُواليها / سبحانه وتعالى، وقد يُمسكها عنه بالغفلة عنها، ويواريها عنه بالغَيْن الَّذى يغشى على قلبه، وهو أَرَقّ الحُجُب، أَو بالغَيمْ وهو أَغلظ منه، أَو بالران وهو أَشدّها. فالأَوّل يقع للأَنبياءِ، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:"إِنَّه لَيُغَان على قلبى، وإِنِّى لأَستغفر الله أَكثر من سبعين مرَّة". والثانى يكون للمؤمنين. والثالث لمن غلبت عليه الشهوة. قال الله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ