جماعة من مشايخنا المحقِّقين، قالوا: دعوى دلالتها على الامتناع مطلقا منقوضة بمالا قِبَل به. ثم نقضوا بمثل قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} ، قالوا: فلو كانت حرف امتناع لامتناع لزم نفاد الكلمات مع عدم كون كل ما فى الأَرض من شجرة أَقلاما تكتب الكلماتِ، وكون البحر الأَعظم بمنزلة الدواة، وكون السبعة الأَبحر مملوءات مِدَاداً وهى تَمُد ذلك البحْر؛ وقول عُمَر رضى الله عنه: نعم العبد صُهَيب لو لم يخف الله لم يعصه. قالوا. فيلزم ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف، وهو عكس المراد.
ثم اضطربت عباراتهم. وكان أَقربها إِلى التحقيق كلام شيخنا أَبى الحسن بن عبد الكافى، فإِنه قال: تتبَّعت مواقع (لو) من الكتاب العزيز، والكلام الفصيح، فوجدت المستمرّ فيها انتفاءَ الأَوّل وكون وجوده لو فرض مستلزماً لوجود الثانى. وأَمَّا الثانى فإِن كان الترتيب بينه وبين الأَوّل مناسباً ولم يخلُف الأَوّل غيره فالثانى منتف فى هذه الصورة؛ كقوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} ، وكقول القائل: لو جئتنى لأَكرمتك. لكن المقصود الأَعظم فى المثال الأَوّل نفى الشرط ردَّا على من ادّعاه، وفى المثال الثانى أَن الموجب لانتفاء الثانى هو انتفاء الأَوّل لا غير. وإِن لم يكن الترتيب بين الأَول والثانى مناسباً لم يدلَّ على انتفاء الثانى، بل على وجوده من باب الأَولى، مثل: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فإِن المعصية منفيَّة عند عدم الخوف. فعند الخوف أَولى