قال أَبو سليمان الخطَّابى: النَّصيحةُ كلمةٌ جامعة معناها حِيازَةُ الحظِّ للمَنْصوحِ له، ويقالُ: هو من وَجِيزِ الأَسماءِ ومختصَر الكلام، فإِنَّه ليس فى كلام العرب كلمةٌ مفردة تُسْتوفَى بها العِبارات عن معنى هذه الكلمة حتى يضمَّ إِليها شىء آخر، كما قالوا فى الفلاح إِنَّه ليس فى كلام العرب كلمة أَجمعُ لخير الدنيا والآخرة منه، حتَّى صارلا يَعْدِلُهُ شىءٌ من الكلام فى معناه. قيل: الكلمة مأخوذةٌ من نَصَح: خاطَ، وقيل: من نَصَح العَسَل: صَفَّاه، شَبَّهوا تخليصَ القولِ والعَمل من شَوْب الغِشِّ والخِيانة بتخليص العَسَل من الخَلْط انتهى ملخَّص كلامه وأَقولُ: النُّصْحُ: الخُلوصُ مطلقا ولا تَقْيِيد له بالعسَل ولا بغيره كما قدّمته آنفاً. وإِعادة معنى الكلمة على معنى الخُلوص أَوْضَح.
وأَمّا بيانُ أَنواع النَّصيحة [فقد] قال الشيخ أَبو زكريا: قالوا: مَدارُ الدّين على أَربعةِ أَحاديث، وأَنا أَقول بل مدارُه على هذا الحديث وَحْدَه.
ثمَّ اعلم أَنَّ النَّصيحة أَقسامٌ كما بيّنه صلَّى الله علهي وسلَّم؛ فأَمّا النصيحة لِله عزَّ وجلّ فمعناها منصرفٌ إلى اعتقاد وَحْدانيّته، ووَصْفِه بما هو أَهلُه، وتَنْزِيهِه عَمّا لا يجوز عليه، والرّغبةِ في مَحابّهِ والبعد عن مَساخِطه، والإِخلاص فى عبادته، والحبّ فيه والبغض، ومُوالاة مَنْ أَطاعَه، ومُعاداة من عَصاه، وجهاد من كَفَر به، والاعتراف بنعمه والشكر عليها بالقول والفِعْل، والدّعاءِ إِلى جميع هذه الأَوصاف المذكورة، والحثَّ عليها/، والتلطُّف فى جَمْع جميع الناس أَوْ مَنْ أَمكن منهم عليها. وحقيقة هذه الإِضافة راجعةٌ إِلى العَبْد فى نُصْحِه نفسه لله، ودَعْوة غيره من الخلق إِلى هذه الخصال. والله سبحانه غنىٌّ عن نُصْح كلّ ناصح.