أَبيه [و] الغُلامِ بشَفَقَته عليه ورحمته، وتَمام كِفايَته وحُسْنِ وِلايَتهِ له، فإِذا وضع قَدَمَه فى هذه الدّرجة انتقل منها إِلى درجة الرضا، وهى ثمرةُ التوكُّل. ومن فسّر التوكُّل بها فإِنَّما فسّره بأَحَد ثَمَراته وأَعظم فوائده، فإِنه إِذا توكَّل حقّ التوكُّل رضى بما يفعله وكيله.
والمقدور يكتنفه أَمران: التَوَكُّل قَبْلَه، والرِّضا بعده، فمن توكَّل على الله قَبْلَ الفِعْل، ورَضِىَ قَضَى له بعد الفِعْل فقد قام بالعبوديّة.
واعلم أَنَّ التوكُّل من أَعمّ المقامات تعلُّقا بالأَسماءِ الحسنى، فإِنّ له تعلُّقا خاصّاً بعامَّة أَسماءِ الأَفعال، وأَسماءِ الصّفات، فله تعلُّق باسمه الغفَّار، والتَّواب، والغَفُور، والرَّحيم، وتعلّق باسمه الفَتَّاح، والوهَّاب، والرزَّاق، والمُعْطِى؛ وتعلّق باسمه المُعزِّ والمُذِلّ، والخافض والرَّافع، والمانع من جهة توكُّله عليه فى إِذلال أَعداءِ دينه ومنعهم أَسباب النصر وخفضهم؛ وتعلُّق بأَسماءِ القُدْرة والإِرادة، وله تعلُّق عام بجميع الأَسماءِ الحسنى، ولهذا فسّره من فسّره من الأَئمة بأَنَّه من المعرفة بالله، وإِنما أراد أَنَّه بحسب معرفةِ العبد يصحّ له مقام التَّوكُّل، فكلَّما كان بالله أَعرف كان توكُّله عليه أَقْوَى. وكثير من المتوكِّلين يكون مغبوناً فى توكُّله، وقد توكَّل حقيقة التوكُّل وهو مغبون، كمن صرف توكُّله إِلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوّةَ توكُّله ويمكنه فعلها بأَيسر شىءٍ، وتفريغُ قلبه للتوكُّل فى زيادة الإِيمان والعلم ونُصْرة الدّين والتأْثير فى العالم خيراً، فهذا توكُّل العاجز القاصر الهمَّة؛ كما يصرف بعضهم توكُّله ودُعاءَه