والعامّة تقول: فهِمَّةُ كلّ امرئ ما يُحْسِنُه. والخاصَّة تقول: فهِمَّة كلِّ امرئ ما يَطْلُب. يريد أَن قيمة المرءِ هِمَّتُه ومَطْلُبه.
قال الشيخ عبد الله الأَنصارىّ: الهِمَّةُ ما يَمْلِك الانْبِعاثَ للمقصود صِرْفاً، لا يَتمالك صاحبُها ولا يلتفت عنها. وقوله: تَمْلِك الانبعاثَ للمقصود، أَى يستَوْلِى عليه كاستيلاءِ المالِكِ على المملوك، وصِرْفاً أَى خالِصاً. والمراد أَنَّ هِمَّة العبْدِ إِذا تعلَّقَت بالحقِّ تعالى طَلَبه خالصاً صادقاً ومَحْضاً، فتملِكُ الهِمَّةُ العاليةُ التى لا يَتمالك صاحِبُها، أَى لا يقدر على المُهْلَة، ولا يتمالك لِغَلَبة سلطان الهِمَّة وشدّة إِلزامِها إِيّاه بطَلَب المقصود ولا يلتفتُ عنها إِلى ما سِوَى أَحكامها، وصاحبُ هذه الهمّة سريعٌ وصولُه وظَفَرُه بمطلوبه ما لم تَعُقْهُ العوائق، وتقطعه العلائق. وهى على ثلاث درجات:
الدّرجةُ الاُّولى: هِمَّةٌ تصونُ القلبَ عن وَحْشةِ الرَّغبة فى الدّنيا وما عليها، فيزهد القلبُ فيها وفى أَهلها. وسُمِّيت الرغبةُ فيها وَحْشَةً لأَنَّها وأَهلَها تُوحِش القلبَ والرّاغبين فيها، فأَرواحُهم وقلوبُهم فى وَحْشة من أَجسامهم إِذْ فاتَها ما خُلِقت له. وأَمّا الزاهدون فيها فإِنَّهُمْ يَرَوْنَها مُوحِشَةً لهم؛ لأَنَّها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم، ولا شىءَ أَوحشَ عند القلب من شىءٍ يحولُ بينه وبين مطلوبه ومحبوبه، ولذلك كان مَنْ نازع النَّاس أَموالَهم وطلَبها منهم أَوْحَشَ شىءٍ إِليهم