فاليقين رُوح أَعمال القُلوب الَّتى هى أَرْواحُ أَعمال الجَوارح، وهو حقيقة الصِدّيقيّة، وقُطْبُ رَحَى هذا الشأْن الَّذى عليه مَدارُه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:"لا تُرْضِيَنَ أَحَداً بسخط اللهِ، ولا تَحْمَدَنّ أَحداً على فَضْلِ الله، ولا تَذُمَّنَّ أَحداً على ما لم يُؤتِكَ اللهُ، فإِنَّ رِزْقَ الله لا يَسُوقُه حِرْصَ حِرْيصِ، ولا يَرُدُّه عنك كَراهِيَةُ كارِه، فإِنَّ الله بَعْدِله وقِسْطِه جعل الرَّوْح والفَرَح فى الرّضَا واليَقِين، وجعل الهَمَّ والحُزْنَ فى الشَكِّ والسّخط".
واليَقِينُ قَرِينُ التوكّل، ولهذا فُسِّر التوكُّل بقوّة اليقين. والصّواب أَنَّ التوكُّلَ ثمرةُ اليقين ونتيجتُه، ولهذا حَسُنَ اقْتِران الهُدَى به، قال تعالى:{فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} فالحقُّ هو اليَقِين. وقالت رسل الله:{وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} ، ومتى وَصَل اليقينُ إِلى القلب امتلأَ نوراً وإِشراقاً، وانتفَى عنه كلُّ رَيْبٍ وشَكٍّ وسُخْط وغَمٍّ وهَمٍّ، وامتلأَ محبّةَ اللهِ وخَوْفاً منه ورِضاً به، وشُكراً له، وتوكُّلاً عليه، وإِنابةً إِليه، فهو مادَّة جميع المقامات، والحامل له.
واخْتُلِفَ هل هو كَسْبِىٌّ أَو مَوْهِبِىٌّ. فقيل: هو العِلْم المُسْتودَع فى القُلوب، فيشير إِلى إِنَّه غيرُ كَسْبّى.